قال لي لماذا تكتب في زمن أصم؟
قلت له لكي أستسيغ ماء البحر الأجاج.. لكي أفتح لقلبي نافذة على الحياة، لكي لا أفقد صهيلي.. لأني أحب أن أعيش وأموت كالجياد.
ثم رويت له قصة الجواد الذي رحلت عن قريته الجياد، فآثر البقاء عن الرحيل، واختار أن يعيش بين الحمير وظن أنهم سينصبونه الأمير لما لديه من إمكانيات في العدو والصهيل، في البداية أغروه بالبقاء وعلت أصوات النهيق، كان يرتدي سرجه المرصع ويعدو متباهيا برنة حوافره مختالا بصهيله.
رويدا أخذ يبطئ من خطاه حتى لا يتخلف عنه الركب، طوعا كان يفعل ذلك وبالتمادي بات بطء خطاه أمرا عاديا، فقد ميزته في العدو لحظة النفير.
في أقرب انتخابات للحظيرة ظن أنه سيحافظ على مكانته بالتزكية فمن ذا سينافسه على كرسي إمارة الحظيرة وهو الجواد الوحيد، كانت المفاجأة عاصفة إذ إن حمارا تشجع ودخل المنافسة على كرسي الإمارة مخاطبا الجمع إنها ليست شطارة، وأن الأمر أبسط ما يكون، ثم هم ووضع على ظهره سرج جواد وواقف وقفة الجياد، وخاطب العوام من معشر الحمير: أنا الأحق بكم من هذا الجواد فأنا من صنفكم ومن بني جنسكم، أعرف حاجتكم وحوائجكم، وأتفهم نهيقكم لحظات الجوع والحزن والفرح.
جاءت نتيجة الأصوات بفوز الحمار ذو سرج الجواد باكتساح، وامتثل الجواد المهزوم لاختيار المجموع بعد أن كان صهيله مسموع.
مرت شهور وبطش الحمار يزيد على عشيرته وقومه، والوحيد الذي يبدي اعتراض هو الجواد لكنه وحده بصهيل لا يشفع له أمام نهيق كثير، فقد اشترى الحمار الأمير أعوانه من الحمير بحمل برسيم زيادة عن المقرر صرفه.
توحش الحمار وما عاد يستسيغ طعامه المعتاد واشتهى اللحوم، فبات يأكل الجيفة مما نفق من معشر الحمير، لكن النافق ما عاد يسد نهمه هو وحاشيته التي طالها شهوة أكل اللحوم، فأمر بذبح الحمير المريضة وتعلل أن الشفاء ميئوس منه وأن الأحياء أولى من الأموات.
وذات يوم مرض ابنه، فانتظر الحمير له نفس المصير، لكنه استدعى له الأطباء ليعالجوه ونذر ذبح مائة حمار من أكبر حمير الحظيرة إذا تم شفاؤه.
جلسات النميمة والاعتراض ملأت الحظيرة والأخبار تصله فيذبح حمارا تلو حمارا وأدا للفتنة التي باتت تطل رءوسها على مملكة الحمير.
وشى إليه بعض الحمير المقربين بذبح الجواد ليبر قسمه بالأضحية لشفاء ابنه.
علم الجواد بالمؤامرة عليه وفي لحظات الشدة يستعيد الجواد خصاله.
أخذ الجواد يعدو والحمير من ورائه لم يلحقوه، فعادوا الحمار الأمير وقالوا له انتخبناك لأنك ترتدي سرج الجياد وما من أحد سيلحق به سواك، فهلم لتثبت لنا أننا كنا على الصواب.
بدأ يعدو خلف الجواد وهو يعلم أن اللحاق به أمر بعيد المنال وأنه فقط خدعهم بالمظهر ليخفي الجوهر، اتسعت الخطى وإن عاد سيلقي حتفه وإن واصل سيلقي حتفه لكن لا مفر من الاستمرار فربما تعثر الجواد.
مرت ساعات تقطعت فيها أنفاسه وحضره الموت وانقطع نهيقه فعاد إليه الجواد وحمله على ظهره ثم عاد لمعشر الحمير ليقول مقولته التاريخية يا أيها الحمير وضع سرج جواد على ظهر حمار لن يغير من الأمر شيئا.
القصة وقعت في حظيرة قريبة منا إلا أنه وبرغم ما حدث ما زالت الحمير تتبادل ارتداء سرج الجواد، الذي رحل بعد أن فطن أنه وإن كان جوادا في حظيرة الجياد خير ألف مرة من أن يكون أميرا على جمع من الحمير.