كنا في القديم نسمع عن ذلك اللص، الذي قبل أن يسرق يرفع يده إلى السماء ويقول: «يا رب استرها معايا هذه المرة وسأتوب»، كان يقولها بتأثر، ثم يحمد الله بعد سرقته، كانت حالات فردية كنا حينما نسمعها نضحك سخرية، ضاعت أعمارنا ونحن ننتظر اللص أن يتوب، التزمنا بما قاله البعض لنا: لا تسخروا من اللصوص فربما يتوبوا وتكونوا أنتم المذنبين، وأخذوا يؤكدون ذلك بقصة العاصي الذي قرر التوبة فسقط فمات فاختلفت عليه الملائكة، واحتكموا لأن يحسبوا المسافة بالقياس بين مغادرته لنقطة المعصية ووصوله لنقطة التوبة، صدقنا ذلك ممن قالوه لكن لا العاصي تاب ولا الملائكة انتهت من تقدير المسافات، فتهنا نحن بحثا عن الحقيقة.
لمن وجبت التوبة؟ أللص الذي سرقنا؟ أم للشيخ الذي خدعنا؟ أم التوبة واجبة على عقولنا التي مضغت القصة تلو القصة ورغم مرارتها كانت تنتظر شهد النهاية.
غريب أنا «أنتم».. فأنا السارق والمسروق وقاضي الحكاية، حكمت يوما على نفسي بقطع يمنايا فأخفيتها مني أسفل قميصي لدى تنفيذ الحكم، ثم أخرجتها ليلا للمارة وقلت لهم تلك آيتي كموسى إنها بيضاء كأن لم يكن بها شئ، وأخذت أستخدم يدي اليسرى لأخدعني أنا القاضي.
يا سيدي القاضي حروبنا ليست خارج جماجمنا، حروبنا لا تحتاج لكل هذا الرصاص العشوائي في كل مكان، لمن نوجه البنادق ونحن نقاتل ظلالنا في الخفاء.
أي معضلة مضحكة تلك التي ننصبها كل يوم كلغز يحيرنا، وندس الحل في جيوبنا حتى يأتي المساء، ثم نخرجه لليل لا يرى ولا يعي معنى الضياء، نوصيه أن ذلك سرا فليخفه حتى آذان الصبح، وكأن الصبح قريب وكأننا نسينا أننا مذ ألف عام أذن للعشاء ولم نقم بعد الصلاة.
أيا سادة الجماجم على أي شئ نحاكم؟ على النوايا أم على الأفعال؟ خطأ إجابتكم كنا نُحاكم عن الفٍعل هذا نص السماء قبل أن تٌحرفوه وتحاسبونا على النوايا.
إذا أردتم تصحيح السطر فسيحتاج الأمر لمعجزة، من أين سنأتي بطبيب يُنقذ سقراط من السم، ويعيد للحلاج أوصاله المبتورة، ليُكمل تلك الكلمة المشطورة.. نصف الكلمة الباقية من حرق مداد ديكارت وابن الجعد وابن المعري وجمال الدين الأفغاني وكثيرون قُتلوا في ساحة معركة الجماجم.. لكن يا سادة أفيدوني: أيكون الرجل العاصي تظاهر بالموت ليُشغل عنا الملائكة بقياس مسافات الأرض، وتبقى جماجمنا فارغة للشياطين من الإنس ومن الجن؟.. ربما.. فنحن مذ فطامنا نتقوت على تلك الـ«ربما».. وربما نلتقي عند حرف فتعي ما كنت أقصده.. ربما.