تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
شهد ملتقى تفاعل الثقافات الأفريقية (12:14 نوفمبر الجارى) دسامة بحثية، بتعدد مشارب مشاركيه، ومسارب موضوعاته، وكذلك النقاشات حول المتن داخل القاعة، والذى حدد زمنه بالدقائق!، أو فيما جمعنا كمشاركين في استراحة الجلسات، وكذلك جلسات حوارية حرة في مقر الإقامة، وكنت مثلت بلدى ليبيا ببحث في جلسة اليوم الأول التى خُصصت للمرأة في الثقافة الأفريقية، وقد اخترت الحكاية الشعبية الليبية في ذهاب إلى مبدأ «أكتب عما عرفت وعايشت»، نتاج رحلة بحثية دراسية دخلت بها بيوتا، وجمعت حكايات شفاهية، ولفتنى دور الراوية وانحياز بعضهن إلى ترسيخ قيم عايشنها بواقعهن، ضمن براح مجتمع البداوة، والواحة، إذ حظيت فيه النساء بتمكين للرأي، وللمركز الاقتصادى وفق تقسيم العمل، كما اجتماعي فالمرأة تختار شريك حياتها حين تقابله بعين ماء أو بئر تمتح بجرتها،أو تشاركه مناسبة فرح، وطقس غناء ورقص، حينها لم يكن يعلو صوت أنها العورة، أوالمحجور عليها في بيت لا تغادره إلا لبيت الزوجية أو قبرها، ودعوت إلى تقوية النساء من خلال توظيف الحكاية الشعبية التى من نصوصها ما ينتصر للمرأة القوية والفاعلة، وقدمت نماذج حكايات شعبية لذلك، متخذة من قرارات يجرى عقد المؤتمرات والجلوس بالصالات الفخمة لتناقشها نخبة، قد لا تعرف ولا تنزل لميادين النساء، ومن نماذج فحوى تلك القرارات التمييز الإيجابي، والتمكين السياسى والاقتصادي، والحد من العنف تصدرها مكاتب وأقسام تمكين المرأة بمنظمة الأمم المتحدة ونتلقفها تباعا، كانت الباحثة النفسية كلاريسا بنكولا في كتابها «نساء يركضن مع الذئاب» جعلت من بطلات الحكايات الشعبية العالمية، وبعضها في تراثنا العربى أيضا، واسترشدت بها دواء معنويا، لتعين نساء يتعالجن عندها على تخطى عوائق مررنا بها وأحدثت شرخا في حياتهن منعتهن من التواصل مع ذواتهن أولا، ثم مع مجتمعهن،كن مكلومات بائسات، فجعلت علاجهن بنموذجهن، شخصيات نسوية خاضت مغامرة ومخاطر ولم يكن الطريق سالكا، بل قطعنه مشقة إلى مشقة أعقد، وتَمكْنّ من حل اللغز، وفك الستر المفتعل، ومضين بقوة إلى أوضاع أفضل بعد شقاء.
أما حكايات لقائنا فعلى الهامش متعددة، كانت بعضها استذكارات واستعادة ما حكيته لأساتذة زملاء من تنزانيا، وأوغندة، ومالاوي، وجنوب أفريقيا، ونيجيريا، وجنوب السودان، وتونس ففى سيرتى أنى عملت بمحطة راديو منذ منتصف الثمانينيات، أمارس هواية القراءة الإذاعية، كان اسم المحطة صوت الوطن العربى الكبير! مزدحمة بموظفين عرب، غير أننا لم نلتق يوما بزملاء مهنة عرب، ولم نتبادل نشاطا أو تعاونا نقارب فيه مشاكلنا وقواسمنا المشتركة، كان العمل العربى على صعيد النظام وسياسته الاستقطابية، أعلى الهرم وفقط، ولاحقا قُلب اسم المحطة الإذاعية، وكذلك خارطة توجه برامجها وموظفيها مع مفتتح الألفية حين لعن وقاطع النظام القذافى العرب، وفتح بابه على أفريقيا، وجرى ذات المنوال، لم أقابل صحفيا أو إعلاميا أفريقيا في نشاط أو اجتماع أو طاولة مستديرة للعمل على تقارب الرؤى، ووضع آليات عمل في مجال أقطع سنوات به، ولايحمل سوى لافتة على المبنى أو شعارا في أعلى أوراق إدارية ومراسلات وهُتافات!، وما فاجأنى وفتح عينى دهشة واستغرابا، أن أستاذا متخصصا بالشأن الأفريقي بهذا الملتقى، صرح من على المنصة بأنه عمل ضمن «لجنة خبراء» وأصدرت تلك المؤسسة ثمانية مجلدات عن تاريخ أفريقيا العام، مشيدا بالإمكانيات المتاحة معنويا وماديا، لأجل خروج ذلك المنتج المهم، ورغم أنى ابنة سلك علامته البارزة الفضول والتقصى فالصحفى ينبش البعيد قبل القريب، ويكون السابق لرفع الغطاء عنه، والعسير، وليس السهل المتاح لكل ناظر، ومع ذلك تردد دائم رافق دراستى البحثية إذ من واجبى المتابعة والاطلاع والاسترشاد برأى ومشورة آبائنا الكبار في المجال، وعموما صارحت زملائى بأننا في ليبيا وفى مقرات معنية بهكذا منتج معرفى مشغول برصانة وإتقان، لم نعرف له خبرا ولا صدى، بل أعلنت أمنيتى أن يمدنى أحد بمجلد واحد منها ألمسه وأطالعه، ففى مكتبة الراديو (وظيفتي) التى يُختار لها كتبا من بعض معارض بلادنا، وحين تدخل تلك الكتب يتفضل بكرم باذخ مسئولها (حسن حواص) ويعرض علينا روادها مانرغب في اقتنائه، وما يمثل إضافة معرفية لشغفنا، ويقابل ذلك اطلاعنا بقائمة كل جديد من حين لآخر، لم تدخل تلك المجلدات مكتبة محطتنا الأفريقية،ولم توزع بيعا على واحدة من مكتبات النظام، بل إن مكتبة للكتاب الأخضر ومنشوراته ودراساته!، لم توضع فيه علنا تلك المجلدات، وكنت من مرتاديها كونها تضع آخر الإصدارات، كما هى مُكيفة، وتخصص طابقا لطلاب الدراسات العليا، ووقتُها براحهُ يمتد إلى العاشرة ليلا، وترحمت علينا بجلسات نناقش فيها ما يشغلنا كباحثين نتعلم ونحاول، حين تقفل مكتبات جامعتنا مع الظهيرة فوجدناها ملجأنا وفقط.
سأخلُص من هذا وغيره، وبلدى رفعت شعارات ليس إلا الأفرقة نبذا للقومية والعروبة، أن الاشتغال ينبغى أن يذهب إلى العلائق بين الشعوب في قارتنا الفتية، بين المؤسسات التعليمية والبحثية، كما الصناعية والثقافية الفنية، والمدنية في مجالات عدة، وأعتبرها تفاعلا فعالا لأنه يمس القاعدة ولايكتفى بأعلى الهرم السياسي، وأثره أن يُشيع توحدنا الفعلى كأبناء للقارة، وأننا نعمل سويا لأجل غد قارتنا،التى تُحقق مؤخرا صعودا ملحوظا، لكن التهديد البيئى يعطل كثيرا من تقدمها ونتاجهُ الهجرة، وصراع مياه وشيك!.