الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

7 دول خارقة.. شعب صنع المعجزة حين لا خيار «التقدم أمامكم والفناء خلفكم» «٢»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاهدت دولًا مدهشة بدأت معنا أو بعدنا ووصلت اليوم إلى قمة النجاح والرفاهية في قصة كفاح مذهلة. فجيل واحد بدأ فقيرًا وانتهى ثريًا نتيجة علمه وعمله وطموحه. وكتبت الأحد قبل الماضى عن شعب كوريا الجنوبية، وأواصل اليوم حديثى عن قصصهم التى عرفتها لعلنا نتعلم منها شيئًا!!
معه صنعوا المعجزة حين لا خيار «التقدم أمامكم والفناء خلفكم»!
بلد في حجم النقطة الصغيرة الحمراء على الخريطة، والتى لا تكاد تراها وبها أكبر كثافة سكان في العالم، خمسة ونصف مليون نسمة في مساحة ٧١٢ كيلو متر مربع فقط، تحولت إلى معجزة عمرانية واقتصادية جعلت البنك الدولى يعتبرها مثال التطور والتقدم في العالم أجمع.
حين تخلت ماليزيا عن جزيرة سنغافورة سنة ١٩٦٥ ليديرها أهلها، وهم ٧٤٪‏ من الصينيين الفقراء وغير المتعلمين من جنوب الصين، و١٣٪‏ من أفقر المالاى من سكان ماليزيا، و٩٪‏ من الهنود المعدمين، كان صراعًا حميمًا من أجل البقاء. فالجزيرة ليس بها مياه عذبة غير أنبوب للحياة من ماليزيا، وأرضها مالحة لا تصلح للزراعة ودون أى موارد طبيعية أو دخل. بيوتها وقتها كانت أكواخ في مستنقعات. كان صراعًا من أجل البقاء بكل ما تعنيه الكلمة. تسلم أمرها رجل عبقرى ذو رؤية ثاقبة اختاره الشعب وهو في السادسة والثلاثين من العمر، ليقودها كأول رئيس للوزراء. حدد لى كوان يو Lee Kuan Yew مشكلات بلده بدقة شديدة، ووضع مع زملائه بتجرد شديد خطة قصيرة وطويلة المدى لا تحتمل حتى الخطأ الصغير، فالخطأ الواحد معناه فناء هذه الدولة الوليدة للأبد.
عرف منذ الْيَوْم الأول أن مورده الوحيد هو البشر؛ فبدأ بتوحيدهم على قلب رجل واحد فجعل الأطفال يقسمون يوميًا أننا سنبقى ما عشنا أمة واحدة رغم اختلاف العرق والدين واللغة، لنبنى بلدنا على أسس العدل والمساواة لنحقق السعادة والرفاهية والتقدم لبلدنا. وكان استثماره الأول في التعليم لخلق أمة من الشباب الصغير والمثقف والقادر على البحث والتطوير. قام بالبناء العلوى وليس الأفقى، وبلا توقف، ليتيح لكل فرد من الشعب مسكنًا يليق به دون إهدار مساحة الأرض الخضراء. أنشأ أكفأ شبكة للمواصلات تحت الأرض حتى يحافظ على الأرض فوقها، وردم في المحيط ليزيد مساحة أرضه ٢٣٪‏.
أخذ أنبوب الماء من ماليزيا واستخدم أفضل تكنولوجيا لتنقيته وتعبئته ليبيعه مرة ثانية لماليزيا، وأنشأ محطات لتحلية المياه وإعادة تنقية مياه الصرف الصحى لاستخدامها! كَبُر الأطفال المتعلمون على أعلى مستوى -في مدارس صنفت الأولى على العالم في جودة خريجيها- فدفعهم للعمل في مجال التكنولوجيا والبيوتكنولوجى ليبنى عشرات المصانع المتطورة. أرسلتهم الدولة إلى الخارج ليشاهدوا الجامعات والمستشفيات والمصانع، ليعودوا ويعلموا غيرهم، ويشيدوا ما هو أفضل مما شاهدوا بمراحل.
وصل بالفساد إلى نسبة صفر في المائة. منذ الْيَوْم الأول أقام علاقات سلام مع كل من حوله ليضمن الاستقرار، وبنى جيشا قويا يدافع به عن أرضه بالتجنيد لمدة سنتين بعد التخرج. فتح الباب على مصراعيه للشباب ليبتكر ويبدع ويطور ويضع ألوانه وإضاءته المبهجة في كل شيء. لا يوجد في الدولة فرصة ولو قليلة للخطأ كما تعلموا، ولكن لا حدود للخروج عن المألوف للإبداع والتطوير والابتكار.
فجر طاقة الشباب فكانت كالبحر الهادر تبنى وتُصنِع وتكتشف وتطور. وفِى أقل من أربعين عامًا أصبحت سنغافورة من أكثر دول العالم تقدمًا. ووصل دخل الفرد فيها إلى ٩٠ ألف دولار من الدخل القومى كثالث أعلى دخل في العالم، وناتج قومى نحو ٥٠٠ بليون دولار سنويًا. قامت موانيه بصيانة السفن، وأصبحت بنوكه من أكبر المراكز التجارية في العالم. جذبت دولته الاستثمار من كل أنحاء العالم لاستقرارها وكفاءة شعبها وانخفاض ضرائبها. وضعت الحكومة أفضل نظام صحى عرفه العالم المتقدم. حققت حكومته المساواة والعدالة فعلًا وليس قولًا. عمل لى كوان يو بمبدأ القدوة المتواضعة والمخلصة. انتخبه شعبه بديمقراطية حرة حتى ١٩٩٠، وحين توفى منذ سنتين عن عمر ٩٢ سنة، بكاه شعبه لشهور. فكل بسمة طفل كان لها سببًا، وكل أمل في قلب شاب أو شابة كان له باعثًا، وكل سعادة في وجه كهل كان مصدرها. وجد الوسائل ليخرج شعبه من الفقر ولم يتمنن عليهم بما فعل، ولكن أحسسهم أنهم صانعوه.
زرع الانتماء فجلب الرخاء. زرع الأمل وجنى التقدم. زرع العلم وحصد التحضر. حارب الفساد فحقق المساواة. أعطى كل مواطن فرصة للحياة الكريمة فجنى العمل الدءوب. وحد قلوبهم فزرع السعادة. حقق المساواة بين جميع أفراد الشعب، وجعل قيمتك فقط في عملك. تحولت سنغافورة إلى جنة خضراء لا تشعر فيها بالتزاحم. قال لو أعطونى ١٠٠٠ مرة مساحة أرضى أو ما يعادل ضعف مساحة إيطاليا أو ولاية تيكساس لأسكنت فيها كل سكان الأرض بهذا التخطيط العمرانى المذهل!!! لم تبق سنغافورة نقطة صغيرة حمراء لأنها عاشت بأحلام كبيرة. رأيت بعينى كيف تُصنع المعجزة. وشاهدت كيف يُمَهَد طريق الرفاهية والتقدم. ما هذه الروعة لقائد له رؤية وشعب شاب لا يعرف المستحيل!