صحيح أن الحضارة الغربية الحديثة نجحت في بلورة المبادئ الأساسية لقيم حقوق الإنسان ومفاهيم النزاهة والشفافية، لكن السياسة تأبى إلا أن تجرد تلك القيم من سموها ونبلها.
السياسة هى ما تجعل الغرب يبدو لنا وكأنه لا يزال يعيش في عصور ظلامه الغابرة؛ حيث كانت شريعة الغاب هى ما تحكم العلاقة بين شعوبه وحكامه ومؤسساته الدينية الكنسية.
لا يبدو الغرب قد تخلص تماما من ثقافة وتقاليد تلك العصور، خاصة عندما يبدأ في التعامل مع الآخرين من شركائه في الحياة على كوكب الأرض.
حقوق الإنسان بمعناها المجرد تطبق نسبيا وفقط على أبناء شعوبه، لكنها سرعان ما تتحول إلى أحد أسلحة السياسة في إدارة علاقاته الدولية.
ما جرى خلال الأسابيع الماضية بشأن التعامل الدولى مع ملف حقوق الإنسان في مصر، يكشف وبوضوح كيف أصبحت تلك القيم السامية ركنا أساسيا من أركان نظرية المؤامرة؛ التى كنت واحدا ممن يتحفظون كثيرا في الاعتماد عليها لتفسير ما يحدث حولنا؛ لكن يبدو أن تلك هى الحقيقة التى ينبغى علينا عدم تجاهلها.
فمع قرب موعد المراجعة الدولية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر أمام المفوضية السامية بجنيف، طالعتنا الأخبار بتقرير صادر عن البرلمان الأوروبى قبل نحو أسبوعين بنى على مجموعة أكاذيب وادعاءات لا دليل على صحتها، حول أوضاع حقوق الإنسان، ثم تبعه بأسبوع واحد تقرير الأمم المتحدة، الذى صدر الجمعة الماضية، تحت إشراف المقررة الخاصة «أجنيس كاليمارد».
كلا التقريرين اعتمدا على معلومات مغلوطة مصدرها مؤسسات ومنظمات تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وما تسمى بـ«مجموعة العمل المصرى من أجل حقوق الإنسان» المتحالفة مع التنظيم الإرهابى، وإن كان بعضها يدعى انتماءه لتيارات أخرى ليبرالية ويسارية.
ولم يتبع كل منهما المنهجية العلمية في إعداد تقارير حقوق الإنسان قبل إصدارها، والتى تفرض عليهما الحصول على وجهة نظر الدولة المصرية فيما ينسب إليها من انتهاكات، واكتفيا بالحديث عن وقائع بشأن مرسى دون تقديم دليل مادى واحد يؤكد حدوثها من عدمه.
غياب وجهة النظر المصرية في التقريرين، يؤكد الغرض السياسى من صدورهما، وهو محاولة إحراج الدولة المصرية، بينما هى مقبلة على تقديم ملفها حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ضمن المراجعة الدورية الشاملة أمام المفوضية الشاملة بجنيف، للرد على 300 ملاحظة كانت قد تلقتها قبل خمس سنوات أثناء مراجعة 2014.
محاولة توجيه تهمة ما سموه، كذبًا وزورًا، بـ«الاغتيال التعسفى» للمعزول، ضد الدولة المصرية في هذا التوقيت تحديدا، جاء بهدف إثارة الشكوك في مصداقية التقرير الذى تطرحه الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدنى أمام المفوضية، واللذين يرصدان جهود الدولة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في جميع الملفات الاقتصادية والسياسية لتشويه صورة النظام المصرى.
وما يطعن في مصداقية تقرير كل من البرلمان الأوروبى والأمم المتحدة، أن كليهما يتجاهل عن عمد واضح الانتهاكات التى تمارسها العديد من الأنظمة والدول حول العالم، خاصة تلك التى تدعم جماعات الإرهاب، وفى مقدمتها تركيا وقطر؛ الدولتان اللتان تستضيفان أعتى قيادات التنظيمات الإرهابية على أراضيهما على مرأى ومسمع من الجميع.
ورغم احتضان أردوغان تركيا لتلك التنظيمات، وتهديده الصريح لأوروبا بفتح حدوده أمام الدواعش لغزو أراضيها؛ إلا أن كلا من البرلمان الأوروبى والأمم المتحدة، لم يصدرا ولو بيان صحفى يعلق على العلاقة المشبوهة بين النظام التركى وتلك التنظيمات.
مصداقية الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى طعنت في مقتل، عندما صمتا ومعهما كل المنظمات الحقوقية الدولية عن الجرائم التى ارتكبها أردوغان في حق السوريين، بدءا من دعمه لكل التنظيمات الإرهابية، وصولا إلى عدوانه على شمال شرق سوريا، وتشريده مئات الآلاف من الأكراد والعرب والشركس والسريان على حد سواء، علاوة على احتلاله الصريح لعدة مدن وبلدات سورية.
تلك المؤسسات الدولية متورطة بشكل أو بآخر في دعم الإرهاب بصمتها المريب عن تصدير النظام التركى مئات الدواعش إلى ليبيا، علاوة على الأسلحة والذخائر لدعم التنظيمات الإرهابية والعصابات المتواجدة في العاصمة طرابلس.
ملف حقوق الإنسان ليس فقط مجرد سلاح يستخدمه الساسة الغربيون لتحقيق مصالحهم، وفى إدارة علاقاتهم مع الدول وحتى الجماعات الإرهابية، لكنه أيضا أحد أبواب الفساد لبعض السياسيين والحقوقيين الغربيين سواء النافذين داخل مؤسسات وأجهزة الدول أو المنظمات والمؤسسات الدولية، خاصة أن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية يتحرك في العواصم الغربية عبر شركات علاقات عامة لتوجيه بعض السياسيين والموظفين الدوليين، ناهيك عن الأدوار المشبوهة التى تلعبها دولة مثل قطر المتورطة في العديد من فضائح الفساد الدولية المشابهة.
وقد كشف عضو مجلس النواب، تامر الشهاوى، جانبا من أصابع المؤامرة السياسية وفساد الذمم، عندما أعلن أمام البرلمان المصرى أن كلا من الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى قد اعتمد في تقاريره على مطالبات المحامى الدولى توبى دامان، بفتح التحقيق في ظروف وفاة المعزول محمد مرسي، مؤكدا أن دامان المحامى أمام الجنائية الدولية، صاحب سمعة مشبوهة، ومعروف بعلاقاته الوطيدة مع قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، واستماتته في الدفاع عنهم.
المؤكد لدى دامان وغيره من الموظفين الدوليين والخبراء في الأمم المتحدة وأعضاء البرلمان الأوروبى أن أفكار جماعة الإخوان معادية لحقوق الإنسان، وأن تاريخها حافل بأبشع الجرائم إرهابا وترويعا، وأنها أم كل التنظيمات والعصابات الإرهابية التى عرفها العالم، لكنه وزملاءه يدرك أيضا أن الحكومات الغربية توظف هذه الجماعة لتحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط تماما، كما يعرف طريقة للحصول على أموال الجماعة التى تدفعها إما عبر تمويل دويلة قطر أو المؤسسات الاقتصادية المملوكة لها، وفى معظم أنحاء أوروبا في أغلب الولايات الأمريكية.