رفع الستار وبدأ العرض المسرحى.. جالسة على العرش ملكة الإمبراطورية الإمبريالية «مونجلترا»، يدخل إليها كبير الخدم وينحنى أمامها، ويقول: «فخامة الملكة وصل إلينا الشاب المصرى الذى أرسل خطابا إلى جلالتكم، وقد أمرت بدعوته ومقابلته، وهو الآن في انتظار التشريف بمقابلة جلالتكم»، فقالت: «أدخلوه إلىّ ولا يتحدث قبل أن أأذن له».
دخل الشاب المصرى في الثلاثين من عمره، يرتدى الزى الرسمي، يمشى متجها إليها وهو يشعر بأنه يتحمل مسئولية وأمانة كبيرة، لا تخص المصريين فقط، متمنيًا أن تتسنى له الفرصة لقول كل ما يريد أن يصل إلى جلالة الملكة، متوقعًا أنها لا ترى حقيقة الأوضاع وحقيقة ما يجرى في العالم.
وقف أمامها وكان حولها بعض المسئولين الذين يتناقشون معها في بعض الأمور المهمة، سرقت النظر إليه لترى هيئته، فوجدته ينظر إلى عينها بقوة وثقة وبعضًا من التحدي.
ثم نظرت إليه، وقالت له: أعجبتنى جرأتك وكلماتك التى أرسلتها إلىّ، عرّف نفسك.
فقال: جلالة الملكة.. لم أكن أتخيل أن رسالتى ستصل إليك، أو أنكِ ستجعلينى أتشرف بمقابلتك، فهذا شرف وفرصة كبيرة لى، ولكل شاب مصرى وعربى، يرغب في أن يصارحكم بالكثير من الحقائق التى يخفيها البعض عن عمد ويغيرون الحقائق.
أنا سيف شاب مصري، أعمل في مجال المحاماة، وقد شاركت في ثورتى 25 يناير و30 يونيو، والآن أحاول المشاركة في ثورة البناء التى قررنا أن نفعلها لبناء وطننا، وأتمنى أن تكون قد وصلت إليكم أخبار تلك الثورة التى تحقق الكثير من الإنجازات في إعجاز زمني، ثورة بناء بأيد مصرية، مرحبين بالتعاون والسلام مع كل دول العالم، لكننا لا نعلم لماذا تحاولون عرقلتنا في بناء وطننا.
نظرت إليه نظرة حادة، وقالت: نعرقلكم!! كيف؟؟
فقال لها: سيدتى نحن جيل لم نعش فترات استعمار أو احتلال، كنا في السابق مستعمرة لديكم، ومرت مصر بعدها بعدوان واحتلال حتى استطعنا تحرير الأرض والاستقلال من أى استعمار، لكننا جيل لم نعش تلك الفترات، لم نولد على كراهيتكم، وليس لدينا عداء معكم مثل أجدادنا الذين حاولوا بكل عنفوان أن يصلوا بالبلد إلى الاستقلال، بل إننا جيل رغبنا وتمنينا أن نأتى إليكم في بلادكم كأصدقاء طامحين في التعليم لديكم والتدريب والاستفادة من خبراتكم، نحن جيل لم نولد على كراهيتكم، لكن الآن هناك الكثير من أبناء جيلى، ليس في مصر فقط، بل في كل ربوع الوطن العربى، يشعر بالكراهية تجاه مملكتكم وللغرب جميعًا، ولا أفهم لماذا تصرون على تعزيز هذا الشعور بالكراهية؟؟
فقالت: انتهت عصور الاستعمار، ونحن الآن تربطنا علاقات صداقة وتعاون في شتى المجالات، لماذا تكرهوننا وكيف نعزز كراهيتكم لنا ونحن لا نرغب في كرهكم لنا؟
فقال: سيدتي، اسمحى لى أن أحدثك ببعض من الصراحة، وأتمنى تقبل وجهة نظرنا راغبين في إصلاح ما تم إفساده، منذ عدة عقود قررتم تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، دعمتم فكر إرهابى متطرف، هل كان تأسيس تلك لحبكم للإسلام أم لماذا؟!! وبرغم ما يشهده العالم الآن من انفجار فكرى متطرف إرهابى يصيب كل دول العالم، لا ندرك لمَ تقفون أمام حربنا على الإرهاب وتصرون على دعم تلك الجماعة الإرهابية التى أسستموها في الماضي، لماذا تؤوهم في بلدكم وتدعموهم بالأموال والإعلام، وتحاربون حربنا عليهم، لماذا؟؟!!
نظرت إليه ولم تعلق سوى بكلمة «أكمل ما تريد أن تقوله».
سيدتى أتعجب ونتعجب جميعًا، لماذا تغيير الحقائق على قناتكم الإخبارية الـbbd، وتتهمنا بالقمع والدكتاتورية أثناء محاولة تطهير أراضينا من بؤر الإرهاب التى ستصيب كل دول العالم، هل محاربة المتطرفين تسمى «قمع»، هل نتركهم لتدمير بلدنا وتقسيمها وإفساد عقولنا بسموم دينية متطرفة ستصيبكم قبل أن تصيبنا. ولماذا تحاول قناتكم التى تشعرنا بأنكم لا زلتم الدولة الاستعمارية التى تعادينا وتعادى شعبنا، وتستنزف ثرواتنا، سيدتى لماذا تدعمون الفوضى في جميع بلاد العرب، أنتم تخلقون أجيالا متطرفة ضدكم، وأنتم ومصالحكم أول من سيتضرر من تلك الفوضى التى دعمتموها بداية من ثورة تونس ثم مصر وسوريا وليبيا واليمن والسودان والجزائر ولبنان والعراق، هل ستستطيعون حماية أنفسكم من كل تلك الفوضى في كل تلك البلدان، هل ستستطيعون التعامل والجلوس يومًا ما مع إرهابيين متطرفين على ترابيزة التفاوض والنقاش، هل تريدون نشر التحضر والثقافة والتنوير في العالم ومبادئ حقوق الإنسان، أم أنكم ترغبون بنشر الفوضى والتطرف والتعصب وقطع الرءوس واستعباد النساء، وصنع دروع بشرية من الأطفال القصر، والغريب في الأمر أنكم تعطون لأنفسكم الحق في حماية بلدكم، وتريدون أن تمنعونا من هذا الحق؛ فقد جاهرتم وأعلنتم «إذا مس الأمر أمن مونجلترا القومى لا تحدثونا عن حقوق الإنسان»، لماذا تعطون لأنفسكم الحق وتسلبون ذلك الحق من جميع البلدان العربية، لماذا تغيرون الحقائق وتصدرون أوامر بحظر السفر إلى بعض المدن السياحية باعتبارها غير آمنة، وهذا مناف تمامًا للحقيقة؛ فالمدن السياحية في مصر مؤمنة تأمينا محترفا شديد الحراسة، أليس هذا إعاقة لثورة البناء التى نقوم بها، أليس هذا بإضرار اقتصادنا وإضرار بحقوق الإنسان العامل في هذا المجال، وكل المجالات التى تتأثر بالسياحة، فيصبحوا عاطلين لا يقدرون على العيش حياة كريمة للتوقف عن العمل.
سيدتى.. طبقًا لمفهوم التنمية المستدامة نحن لدينا حقوق لديكم نرغب في الحصول عليها.
نظرت إليه وقالت: ماذا تقول، وما حقوقكم لدينا؟ أنا أتعجب من كلامك، ولكنى أنصت جيدًا لما تقول... أكمل.
قال: هناك بعض البلدان تحصل على تعويض مما فعله بها هتلر حتى وقتنا هذا، واستعماركم لنا استنفد ثروتنا، وتم الإضرار بنا وببلدنا حتى وقتنا هذا؛ فقد سلبتم ثرواتنا وهى حق لأجيال سابقة، ولجيلى وللأجيال القادمة، طبقًا لمفهوم التنمية المستدامة الذى وضعتموه. لدينا حق في تعويضنا بكل ما أصابنا من أضرار نتيجة استعماركم لنا. بدلًا من محاربتنا وعرقلة محاولتنا في البناء، لدينا حق عليكم بأن كثيرا من السلبيات التى نعيشها الآن نتيجة لسنوات كثيرة استعمارية.
سيدتى.. نحن دولة مسالمة لا نرغب في العداء مع أحد، ولا نتدخل في شئون غيرنا كما يفعل غيرنا، ولا نريد أن يكون بيننا وبينكم شعور بالكراهية، نحن أجيال لم نولد على كراهيتكم فلا تجعلونا نكرهكم. اتركونا نبنى وطننا ونحميها من المتطرفين، اتركونا نكمل ثورة البناء، لا نريد منكم شيئًا برغم أن لدينا حقا عليكم، اتركونا ننهض من الأزمات التى دبرتموها إلينا.
وأسدل ستار المسرح قبل أن نعرف ماذا فعلت وقالت ملكة مونجلترا العظمي.