الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تحولات الفكر الاستراتيجي المعاصر (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع المفكر المصري الراحل السيد يسين فى كتاب «تحولات الفكر الاستراتيجى المعاصر.. من الاستقلال الوطنى إلى الدولة التنموية».. والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بقوله: كثير من دول العالم الثالث تعانى من الافتقار إلى الإجماع القومى حول تعريف المصالح القومية والأهداف القومية وترتيب أولوياتها على المدى القصير والمدى الطويل. 
ويبدو خطورة هذه الظاهرة حين تتعلق بالخلافات الحادة حول مسائل أساسية اجتماعية وسياسية واقتصادية، مثل نوعية التوجه الإيديولوجى الذى يؤثر فى استراتيجية التنمية الاقتصادية أو أهداف وتوجهات السياسة الخارجية، أو دور الدين فى الدولة. 
وإذا كان الخلاف فى الرأى مقبولا، فإن المشكلة المعوقة، أنه غالبًا حين يتغير النظام السياسي، تعاد صياغة الأهداف الأساسية والقيم، مما قد يجعل عملية بناء الأمة تعود إلى نقطتها الصلبة التى بدأت منها. 
وهناك مشكلة لصيقة بالمشكلة السابقة، وهى ضعف مستوى التنمية السياسية، الذى يترجمه ضعف المؤسسات فى المجتمع، وقد يكون هذا الضعف فى حد ذاته هو أصل المشكلة. فالانقسامات الحادة بين الجماعات السياسية، والترديد اللفظى للشعارات الإيديولوجية بغير الالتزام الحازم بالمصلحة القومية، أصبح من سمات عديد من الممارسات السياسية فى العالم الثالث، مما أدى إلى ظاهرة عدم الاستقرار السياسي. 
ويمكن القول، إنه نتيجة لتأصيل عملية التنمية فى الدول الحديثة فى العالم الغربى الصناعى فإن الدولة تتمتع بشرعية غير مشروطة. ومن ثم فهى دول يمكن وصفها بأنها قوية ومتماسكة. وعلى العكس؛ فإن أبنية الدولة فى العالم الثالث لا تتمتع عادة بهذه الشرعية غير المشروطة؛ لأن هذه الدولة شاركت فى نظام الدولة الحديثة فى وقت متأخر. وقد أدى هذا الوضع إلى أن هذه الدول تكاد أن تكون معوقة بالنظر إلى قدرتها فى التعامل الفعال مع النظام الدولي، والذى يدور أساسا حول الدولة باعتبارها فاعلا رئيسيا. 
وما زالت بلاد كثيرة فى العالم الثالث محملة بالمشكلات الناجمة عن الميراث الاستعمارى مثل قضية الخلاف حول الحدود ومشكلات الصراع بين الجماعات السلالية المختلفة، التى تؤدى إلى صراعات ليست محلية فقط وإنما إقليمية. 
وهناك ندرة الموارد وقصور شديد فى المعارف التكنولوجية فى كثير من بلاد العالم الثالث، مما يؤثر فى قدراتها فى رفع معدلات التنمية. إن الفقر ونقص معدلات التنمية التى هى فى الواقع المؤشرات المجمع عليها التى تميز بلاد العالم الثالث، لا تخلق مشكلات اجتماعية وإنما تؤدى عادة إلى أزمات سياسية حادة، لدرجة أن الفقر يمكن اعتباره أكبر مهدد للأمن فى العالم الثالث. ذلك لأنه يدفع لالتماس المعونة من الخارج، بما يترتب عليها عادة من تبعية سياسية. واعتماد اقتصادي، وانعكاسات ذلك على الضيق الشديد لمجال المناورة فى مجال السياسة الخارجية. 
يتبين من العرض السابق أن النموذج الغربى للدراسات الاستراتيجية قد لا يصلح لتحليل وفهم مشكلات بلاد العالم الثالث. هذه البلاد التى ما زالت تشغلها قضايا السيادة والشرعية وأزمة المشاركة السياسية، والافتقار إلى الموارد، ومشكلات بناء الدولة بشكل عام. وهى مشكلات ما زالت تعانى منها البلاد العربية أيضا. ومن هنا تدعو الحاجة إلى صياغة نموذج جديد للتفكير الاستراتيجى، يصلح لتناول مشكلات العالم الثالث بصورة ملائمة. 
ويضيف السيد يسين بقوله: ونحن فى الحقيقة نعبر هنا عن الحركة الفكرية العامة فى أوساط الباحثين العرب التى تركز منذ سنوات - فى إطار العلوم الاجتماعية - حول ضرورة نقد النظرة الغربية فى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأهمية صياغة نظرية عربية متكاملة. ولعل الدعوة إلى «علم اجتماع عربى» التى نشطت فى السنوات الأخيرة، تعد مؤشرًا على هذا الاتجاه المتصاعد. كما ظهرت دعوات مماثلة فى مجال علم السياسة، وإن لم تترجم بعد إلى أعمال فكرية ملموسة. ويهمنا هنا أن نؤكد هذه ليست دعوة للانغلاق الفكرى فى عالم أصبح سمة من سماته حوار الحضارات، والاعتماد المتبادل، وثورة الاتصالات، ولكنها محاولة لمواجهة مشكلة القطيعة الفكرية التى حدثت بين تراثنا الخصب والعصر الحديث وفتوحه المنهجية واكتشافاته النظرية. 
وهى دعوة ضرورية تنطلق من خصوصية تاريخنا الفكرى والاجتماعى والسياسي. ليس بالمعنى المتعصب للخصوصية بمعنى التميز المطلق عن الآخرين، وإنما بمعنى ضرورة دراسة وتحليل تراثنا وإعادة تأسيس تقاليدنا القومية بصورة تجعلنا نحسن فهم الماضى وتدبر حاضرنا، والتشوف لمستقبلنا. ولن يتم ذلك بغير تفاعل خلاق بين تراثنا الفكرى ومنجزات العصر. 
ونحن فى العالم العربى- ونتيجة لموقعنا الاستراتيجى الفريد- نجد أنفسنا فى مواجهة مستمرة وممتدة مع استراتيجيات الدول العظمى، التى لها مصالح حيوية تسعى بكل الوسائل إلى الحفاظ عليها. والوطن العربى منذ استخلص نفسه من نير الاستعمار والاحتلال فى الخمسينيات من القرن العشرين انغمس بعمق فى خوض معارك متداخلة. 
معركة النهضة التى تهدف إلى تحقيق التنمية الجماهيرية والوصول إلى آفاق المعاصرة، ومعركة التحرر واستقلال الإرادة التى تسعى إلى القضاء على كل صور الهيمنة الأجنبية، ومواجهة الاستعمار الاستيطانى الإسرائيلى بكل ما يحمله من مخاطر على الأمن القومى العربى. 
وللحديث بقية..