تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أعلن البعض تخوفه من نتائج اجتماع واشنطن حول سد النهضة، والذى شارك فيه وزراء الرى والخارجية بمصر والسودان وإثيوبيا.. التخوف مشروع تمامًا بالنظر إلى السجل التاريخى لأمريكا في تعاملها مع القضايا المصيرية لبلادنا.. فهى لم تكن يوما ما وسيطا نزيها ولم نسمع عنها أنها بقدرة قادر تحولت إلى حمامة سلام.. تعلمنا منذ نعومة أظفارنا ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش تعلمنا أن أمريكا هى الطاعون والطاعون أمريكا.. هذه النظرة الراسخة لدى أجيال متعاقبة جعلتنا نطالب بأن يكون التفاوض حول سد النهضة لا بد وأن يتم على طاولة دائرية.
أما وقد تم الاجتماع الذى خطف انتباه كل المصريين، فكان لزاما علينا أن نقرأ النتائج لنعرف موضع خطوتنا التالية.. الاجتماع الذى تم تحت بصر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعتمد على المادة العاشرة من إعلان المبادئ الذى وقعته الدول الثلاث في الخرطوم عام 2015 التى تسمح بالتصعيد والاحتكام إلى أطراف جديدة في حالة عدم الاتفاق على حلول ترضى كل الأطراف.
هنا لا بد أن نواجه أنفسنا ونعيد الاعتبار إلى إعلان المبادئ الذى تناولته الأقلام تشريحا، حتى إن الحال قد وصل بالبعض إلى اتهام الإعلان بأنه كان الأرضية القانونية التى اعتمدت إثيوبيا عليها لبناء السد.. وشبعنا لطما ونقدا وتجريحا، لذلك حرصت على الاستماع لمحاضرة تكلم فيها الدكتور مفيد شهاب، أستاذ القانون الدولى والمفاوض الشرس في ملف طابا.. قال شهاب ببساطة إن «هناك مقولة مراوغة عن السدود والأنهار تفيد بأن حقوق الدول في الأنهار الدولية كنهر النيل تحكمها قواعد القانون الدولى ويرى شهاب أن الكلام المرسل عن القانون الدولى هو مجرد كلام ما لم يتبلور بين الدول المتنازعة إلى بنود محددة وإعلان واضح وهذا ما جاء به إعلان المبادئ».
انتهى كلام دكتور شهاب لنبدأ نحن بمراجعة المواقف المتعجلة التى نتخذها في فورة وطنية سرعان ما تسفر عن خطأ.. وإذا لم تحقق اجتماعات واشنطن سوى رد الاعتبار لإعلان المبادئ لكفى الاجتماع نجاحا.
ليس هذا فقط ولكن أن تأتى إثيوبيا وهى مجبرة على الذهاب إلى طاولة التفاوض يكسر غطرستها، التى لم ولن ننساها لصاحب نوبل، رئيس وزرائهم الذى قال كلاما عن حشد مليون إثيوبى للمواجهة.. أن تذهب إثيوبيا وتلتزم بما تفرضه رقابة البنك الدولى وأمريكا على مسار المفاوضات الذى تم جدولته على امتداد شهرين فقط.. كل هذا مكسب كبير ويرجع بنا إلى مصر الكبيرة التى تدوس على الشوك من أجل البناء وتذوق المر من أجل مستقبل آمن لأبنائها.
ولا شك أن المتابعين وهم وطنيون أعربوا عن مخاوفهم خوفا على الوطن.. لا شك أنهم لاحظوا أن التحرك الدبلوماسى لمصر في موضوع سد النهضة لم يتوقف عند حوار ثلاثى مع دولة الأزمة، لكنه حوار امتد على كامل الخارطة العالمية من موسكو إلى واشنطن إلى غيرهما.. هذه رسالة اطمئنان وحذر.
حدود مصر الطبيعية هى حدود أمانها.. وليس هناك أمان أكثر من منابع نهر النيل ولا يمكن لتعاون أن يكون نموذجيا أكثر من تعاون دول حوض النيل.. الخير للجميع والسلام للبشر ومعركة التنمية هى رأس جدول الأعمال.
ستنتهى الأزمة لنتعلم منها دروسا متنوعة، أقلها عدم التعجل لاتخاذ مواقف مضادة ونشر الإحباط، أما أهم دروسها هو تجديد الثقة في دولتنا العميقة التى تعرف قيمة مصر ومعانى حروفها الثلاث التى قال عنها صلاح جاهين.. ثلاثة أحرف ساكنة ولكنها مشحونة بالضجيج.. ولو سار الإعلام المصرى بكفاءة الخارجية المصرية لقطعنا أشواطا بعيدة في زراعة الأمل ولكن هذه هى حظوظنا.. الدولة تتعافى بينما الإعلام يمرض.