قصة بطولة وشهامة وشجاعة، عاشتها مدينة قوص بمحافظة قنا، والتى أشرف بالانتماء إليها، خلال الأيام القليلة الماضية، فقد فوجئ الأهالى باستشهاد الرائد باسم فكري، رئيس مباحث المركز، في اشتباكات بين قوات الأمن ومجموعة من العناصر الإجرامية، خلال حملة أمنية موسعة، لضبط عنصر إجرامي خطر، ما أدى إلى استشهاد رئيس المباحث، وإصابة آخرين من القوة الأمنية، ومقتل العناصر الإجرامية.
الشهيد «باسم فكري»، ضحية رصاصات الغدر، من محافظة قنا، متزوج منذ 4 سنوات، ورزق بمولود اسمه «سليم»، وينتمى لأسرة متوسطة، والده كان صيدليًا وتوفى منذ عدة أشهر، ولديه 4 شقيقات.. التحق بالعمل في قطاع الأمن العام، وتدرج خلال سنوات عمله في عدة مواقع منها مباحث تنفيذ الأحكام، ثم عمل بوحدتى مباحث قفط ونقادة، وفى أغسطس الماضى تولى منصب رئيس مباحث قوص.
يُطلق على الشهيد من أغلب المقربين منه والمتعاملين معه وزملائه، صفات «الشهم والجدع»، حيث يتمتع بسمعة طيبة، ويسارع في أعمال الخير ومساعدة البسطاء من الناس، وكان له دور مهم في كشف غموض عدد من الجرائم الجنائية، والمشاركة في عمليات مداهمات والقبض على عدد من الخارجين عن القانون.
وودع أهالى وقيادات محافظة قنا، جثمان شهيد الشرطة، في جنازة عسكرية، وحضور شعبى كبير، عقب صلاة الجمعة الماضية، بمسجد سيدى عبدالرحيم القنائي، وخيم الحزن على أهالى مدينة العمال بدائرة بندر قنا، التى كان يسكنها الشهيد، واصفين إياه بالشهم والشجاع والخلوق.
ولقصة البطل الشهيد جانب إنسانى آخر تمثل في زوجته الطبيبة سارة محمد رشاد، ابنة «نقيب محامين» قنا والبحر الأحمر الأسبق، والتى فقدت أسرتها «والديها و3 من أشقائها»، في حادث سير قبل 10 سنوات وظلت مع أختها وحيدة، وبعد طول معاناة ظنت أن الدنيا تبسمت لها عند تعرفها على زوجها الشهيد باسم فكري، لكن هذا الأمر لم يطل وأصيبت بفقدان زوجها سريعًا لتبقى وحيدة مرة أخرى مع ابنها الطفل وأختها.
ولم تكن تضحية البطل الشهيد بنفسه لتحقيق الأمن وتنفيذ القانون، حادثة فريدة، فبطولات رجال الشرطة هى امتداد طبيعى لتاريخ طويل من البطولات والتضحية، في تاريخ يحفل بالعديد من المحطات التى تؤكد وطنية هؤلاء، الذين يحرصون على التضحية بالغالى والنفيس لحفظ أمن المواطن وسلامته.
فرجال الشرطة هم صمام الأمن والأمان، بالجبهة الداخلية للوطن، والعين الساهرة التى لا تنام، فجهاز الشرطة يحفظ الأمن والسلام، ويمنع الإجرام ويقبض على المجرمين، ولولاهم ينتشر الظلم بين الناس، وضميرهم المستيقظ هو وحده من يصون هذا البلد، ويحميه من الخيانات والجرائم المختلفة المتمثلة في القتل والسرقة وحوادث السير وغيرها، لذلك لا بد من دعم المجتمع لهم والثقة بهم وبقدرتهم على توفير الأمن والاستقرار.
والشرطة هى مؤسسة وطنية عريقة من الشعب وإليه، وفى خدمته وأمنه، ورجالها أبناء كل المصريين، تتصدى لقوى الإرهاب والشر والتطرف، دفاعًا عن أمن واستقرار مصر وحماية لجبهتها الداخلية، ومازالت تقدم التضحيات كل يوم وتضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن الوطن بعزيمة لا تلين أو تنكسر، ضاربين المثل لمن أتى بعدهم من أجيال، ومؤكدين أن مصر الحرة الكريمة تستحق كل التضحية وكل الفداء.
وتنص المادة 206 من الدستور على «أن الشرطة هيئة مدنية نظامية، في خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام العام، والآداب العامة، وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل الدولة أداء أعضاء هيئة الشرطة لواجباتهم، وينظم القانون الضمانات الكفيلة بذلك».
والعمل الأمني في محافظات الصعيد، له خصوصية، لذا يحرص قيادات الشرطة الذين يعملون بالصعيد على التعرف على أبنائه وقياداته الشعبية والقبلية واحترام عاداتهم وتقاليدهم، لحسن التعامل مع كل الملفات الأمنية، سواء الملفات الإرهابية، أو الجنائية، أو الطائفية، أو الخصومات الثأرية، وغيرها من الملفات المهمة على المستوى الأمني.
ففى محافظة قنا على سبيل المثال نجح المحافظ، اللواء عبدالحميد الهجان، بجهود مخلصة في إنهاء الخصومة الثأرية رقم 125، خلال 5 سنوات، بالتعاون المثمر مع، اللواء مجدى القاضى، مساعد وزير الداخلية مدير أمن قنا، من خلال الاعتماد على القيادات الشعبية والتنفيذية، وكبار العائلات، ورجال الدين، والعقلاء، لإقناع المتخاصمين بأن سلسال الدم لن ينقطع وأن الصلح خير.. وهى جهود كبيرة ومخلصة لرجال الأمن ولجان المصالحات وعلى رأسهم محافظ قنا، ساهمت في إتمام المصالحات الثأرية وإعادة الحياة للعديد من القرى والمدن بعد أن حصدت هذه الخصومات الكثير من الأرواح البريئة، ولم يسلم منها الحجر قبل البشر.
ويمثل الوعى والترابط المجتمعى جانب مهم لمساعدة الشرطة في تحقيق الأمن بالشارع وللمواطنين، حيث تحرص العائلات بالصعيد على لفظ أبنائها.. وفى هذا المجال يقول اللواء مجدى القاضي، «إن إنهاء هذه الخصومات لا يأتى من فراغ.. والله بنهد في جبال لتحقيق الأمن والأمان للمواطنين، حتى تصبح قنا خالية من الخصومات الثأرية وخالية أيضًا من الأسلحة، ولكى يتحقق الاستقرار والتنمية الحقيقية، وهذا ناتج أيضًا من تغيير الموروث الثقافى القنائي».
ولا ننكر أيضًا جهود اللواء محمد ضبش، مدير إدارة البحث الجنائى بمديرية قنا، والذى يمثل «المايسترو» الذى يعمل بالليل والنهار لتحقيق الأمن بالمحافظة، ولا يمكننا سرد أسماء كل أبطال وقيادات الشرطة بالصعيد ولا بقنا، ولكن نؤكد أن جميع قيادات وأفراد الشرطة بقيادة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، يستحقون كل إشادة وتقدير على ما يبذلونه من تضحيات تستهدف تحقيق الأمن والأمان لمصر وأهلها.