الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"اتفاق الرياض" تصحيح لأخطاء الوحدة اليمنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيذكر التاريخ أن "اتفاق الرياض" الذى تم توقيعه بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بقصر اليمامة في يوم 5 نوفمبر 2019، حدث تاريخي للشعب اليمني من جنوبه لشماله بلا مبالغة إذا تم تنفيذه بشكل سليم لأنه سيصحح أخطاء الوحدة اليمنية التى تم توقيعها في عام 1990 بين الدولتين ممثلة في علي سالم البيض رئيس الجنوب وعلي عبدالله صالح رئيس شمال اليمن، مثلما توحدت ألمانيا الشرقية والغربية.
وسنعود بالتاريخ سنوات معدودة في عمر الزمن للوقوف على أخطاء الماضي الذى أفضت إلى ما حدث، وتسببت في وجود احتراب ومظلومية ظلت منذ 1994 وحتى توقيع اتفاق الرياض، تجسدت في هرولة الحزب الاشتراكي الجنوبي برئاسة علي سالم البيض وحزبه الاشتراكي إلى وحدة مع اليمن وحزب المؤتمر الشعبي العام وأمينه آنذاك العقيد علي عبدالله صالح، كنواة لوحدة عربية شاملة لم تلبث بفعل الإخوان المسلمين وأنصاره من الجهاديين في الاستمرار بتخطيط من علي عبدالله صالح للتفرد بحكم اليمن، والتخلص من الحزب الاشتراكي الجنوبي فأعاد التحالف مع الإخوان ممثلا في حزب التجمع اليمني للإصلاح، والتى كانت ترفض هى والقوى الجهادية بزعامة أسامة بن لادن الوحدة من الأساس بزعم أن اليمن الجنوبي ماركسي وامتداد للاتحاد السوفيتي، وكان القيادي الإخواني عبدالمجيد الزنداني وطارق الفضلي هما أبرز من ينفذ خطة صالح للاستيلاء على السلطة كاملة من خلال استخدام الدين واعتبار أن الحزب الاشتراكي يدعو الى الفجور والفحش ويجب التخلص منه وبالفعل تم اغتيال 158 سياسيا من جنوب اليمن في الفترة ما بين 1991 و1993 وهو ما فاقم الخلافات بين علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح وجاءت على إثرها حرب 1994 من اجتياح قوات صالح للجنوب ليفرض سيطرته العسكرية والسياسية ويتخلص من شركائه في الوحدة الوليدة -وهذا ليس رأيي الشخصي بل معلومات تاريخية-.
بعد عام 1994 م، لم ينكر اليمنيون أنفسهم من أبناء الشمال على أشقائهم من الجنوب مظلوميتهم الكبرى مما فعله صالح بالوحدة، وبعد فرار قيادات كثيرة من الحزب الاشتراكي من البلاد تاركة مظلومية أبناء شعبها، مرتمية في حضن إيران، نشأت قيادات جديدة في عام 2007 سميت بالحراك الجنوبي، منهم مَن كان مخلصا لقضيته وهدفه إعادة الحقوق المسلوبة ومنهم مَن هو ممول من إيران ويأتمر بأمرها وجهات أخرى قطرية وخلافه وأصبحوا تجار حرب يقتاتون على مظلومية أبناء شعبهم، وما أن لبث التاريخ وقدمت ثورة 2011 وسقط نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بمبادرة خليجية وتم تعيين الرئيس الحالى عبدربه منصور هادي وهو جنوبي الأصل، وتم الدخول في الحوار الوطنى من 18 مارس 2013 إلى 25 يناير 2014 وكان مهتما بحل قضية الجنوب في إطار عادل وتم النداء بدولة فيدرالية من إقليمين الشمال والجنوب ثم تم تعديل الفكرة لتصبح 6 أقاليم، وما أن لبث التطبيق انقلب الحوثي على الشرعية ومخرجات الحوار الذى كان جزءا منه، وعاث في الأرض قتلا وبسطا لقوته بعد تحالفه مع علي عبدالله صالح الذى نقض تحالفه مع السعودية، ثم انقلب الحوثي عليه وكان شهيدا وضحية لتحالفه.
ومع تسارع الأحداث ومحاولة الحوثي فرض سيطرته على اليمن شمالا وجنوبا إلا أن الجنوب وأبناءه قاوموه بشدة وحرروا محافظاتهم منه، وبعد طردهم أصبحت عدن العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية.
ومن ثم وقف أبناء الجنوب مع أشقائهم في حماية الوطن من الحوثي الممول والمدعوم من إيران فدفعوا بأبنائهم في الجيش اليمني التابع للشرعية ليقاتلوا بضراوة في الوقت الذى تظاهر فيه حزب الإصلاح الإخواني الذى يشكل جزءا من الحكومة اليمنية بالقتال على غير الحقيقة.
وفطنت الإدارة الإماراتية للفكر الإخوانى في استمرار تواجد الحوثي، فتم تشكيل قوات جنوبية ممثلة في الحزام الأمني وخلافه بقرارات جمهورية من عبدربه منصور، وتم دعمها بقوة من قبل الإمارات لتحقيق التوازن على الأرض وتقويه الجبهة المواجهة للحوثي في الشمال وكذلك لإجهاض المشروع الاخواني بإطالة أمد الحرب في تحرير اليمن والدخول في معارك جانبية مع الجنوب وقواته وحراكه ودعم أبنائه في رفع المظلومية الواقعة عليهم.
وبعد فشل هذا الفكر قام الإخوان المشاركون فى الحكومة باتهام الإمارات بأنها تريد فصل الجنوب عن اليمن وذهب وزراؤه ممن هم على شاكلة أحمد المسيري وزير الداخلية الذى عندما فطن بأنه خارج الحكومة، فبادر بدعم قطري إلى جانب رجاله وبعض مستشاريه الممولين من إيران، بكيل الاتهام لها بأنها تسعى لفصل الجنوب والهيمنة على مقدراته، رغم أن معاونى الميسري وعشيرته كانوا قبل توليه الوزارة من مناصري عودة الجنوب كدولة مستقلة بعيد عن الفيدرالية ولكن سحر الأموال والسلطة يغير الأحوال.
وفى النهاية نطرح السؤال لماذا اتفاق الرياض يعد تصحيحا لأخطاء الوحدة، لأنه ببساطة سياسية جعل المناصفة في الوزراء بين الجنوب والشمال وبذلك يعمل على تقاسم السلطة بشكل يجعل الوحدة التى ذهب إليها الجنوبيون في عام 90 محققة من خلال المشاركة الفعلية في الواقع الاقتصادي والسياسي والعسكري وعدم الإقصاء وكذلك توحيد الصف في مواجهة الخطر الحوثي ومن ثم تكوين يمن فيدرالي جديد دون مظلومية أو اقتتال.
ولكن على المجلس الانتقالي الجنوبي وقوى الحراك الحقيقية والمختلفة مع المجلس أن تلتف جميعا نحو هذا الاتفاق لرفع مظلوميتهم، والإبتعاد عن  القيادات التى عفا عليها الزمن  التى تبحث عن مصالحها على حساب دماء ابناء الجنوب .
وختاما.. على عبدالملك الحوثي أن يعي الدرس بعد اتفاق الرياض الذى أشاد به العالم، وأن يعلم أن الحل السياسي ودولة في اطار لامركزي لا مفر منه وفى هذا المقام سنستعير أبيات الشاعر اليمني الراحل عبدالله البردواني بتصرف (قل للإمام الحوثي وإن تحفّز سيفه.. أعوانك الأخيار شرّ ذئاب.. وغدا سيحترقون في وهج الأبطال.. وكأنّهم كانوا خداع سراب.. وتفيق "صنعاء" الجديد على الهدى.. والوحدة العربية الكبرى على الأبواب).