الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواجهة مشروع أردوغان بين التأسيس والتسييس (9)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقوم في الأساس على تنظيمات الإسلام السياسي، وفي مقدمة هذه التنظيمات حركة الإخوان المسلمين، التي تمثل رأسًا لهذه التنظيمات فهي الأقدم في النشأة والتي خرج من رحمها أغلب تنظيمات العنف والتطرف.
تربى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على يد رأس الإسلام السياسي في تركيا، نجم الدين أربكان، رئيس الوزراء الأسبق، وأول رئيس وزراء إسلامي للسلطة وأحد أهم قيادات الإخوان المسلمين في تركيا، فنشأت حركته بدعم من الإخوان المسلمين الذين ما زالوا يدعمون حزب العدالة والتنمية ممثلين في "التنظيم" وفي حزبهم السياسي "حزب السعادة".
هدف مشترك يجمع ما بين حركة الإخوان المسلمين وما بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فكل منهما يسعى لعودة الخلافة العثمانية، حلم الأممية الذي تدافع عنه "الجماعة" هو نفس مشروع "أردودغان" لعودة السلطة العثمانية من جديد على أن يكون هو الخليفة حتى ولو في ثوب جديد.
التقى المشروعان على هدف واحد وهو عودة الخلافة التي أسقطها أجداد "أردوغان" قبل مائة عام من الآن، ولذلك سعى الرئيس التركي في وضع يده في يد كل تنظيمات الإسلام السياسي من أجل عودة الدولة التي حولها السلطان عبدالحميد الثاني إلى سراب ما زال يحسبه أردوغان "ماء" حتى إذا جاءه وإخوانه لم يجده شيئًا.
تركيا لا تشعر بقوتها إلا في مشروعها القديم "مشروع الخلافة العثمانية"، فدائمًا تشعر بقوتها في وجود الجماعات المتطرفة التي تُعلي من فكرة عودة الخلافة، وياحبذا لو كانت تركيا مركزها كما كان، ولعل هذا هو الإشكال بين تركيا وتنظيم "داعش" الذي أعاد الحلم ولكن من دولة العراق والشام وليس من إسطنبول كما كان قديمًا.
نشأت حركة الإخوان المسلمين في العام 1928 أي بعد 4 سنوات فقط من سقوط الخلافة العثمانية والتي كانت تركيا مركزها الأساسي، والتي تفتت تركيا الخلافة فيما بعد إلى دول صغيرة واحتلال هذه الدول فيما بعد، وكان هدف "الإخوان" كما جاء في أدبياتهم ألا وهو عودة الخلافة "الساقطة" من جديد، وهذه نقطة الانطلاق والاتفاق بين دول تركيا والإخوان المسلمين.
وقد يكون السبب الحقيقي وراء استضافة تركيا لحركة الإخوان المسلمين على أراضيها واستضافة التنظيم الدولي على أراضيها سواء المقر أو اجتماعاته الدورية، وهنا معنى جديد له علاقة بفكرة الأممية عند الإخوان المسلمين ومفهوم الخلافة عند تركيا، ولعل التنظيم الدولي الحاضن الأساسي للمفهومين.
ولهذا السبب عيّن الرئيس التركي مستشارًا له يجيد اللغة العربية ومن الإخوان المسلمين، يسمى ياسين أقطاي، دوره الحقيقي هو أن يكون همزة الوصل بين التنظيم الدولي للإخوان في مشروع عودة الخلافة العثمانية وبين تركيا التي تسعى إلى نفس المشروع من خلال أردوغان، ونلمح "أقطاي" كثيرًا في وسائل الإعلام المملوكة للإخوان المسلمين في مقدمتها، مكملين والشرق، يتحدث باللغة العربية عن العلاقة التي تجمع الإخوان وتركيا بمشروع عودة الخلافة الإسلامية!
نجح أردوغان في توظيف الإخوان المسلمين خدمة لمشروعه السياسي في المنطقة ليس فقط في نقاط التماس المتمثلة في عودة الخلافة الإسلامية، وإنما في توجيه ضربات لخصوم تركيا وأردوغان، ولذلك تم توظيف الإخوان المسلمين بوسائل إعلامهم لسباب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات لا لشيء إلا لأن أردوغان يختلف مع هاتين الدولتين ويضاف لهما مصر بطبيعة الحال خلافًا دفعه لتوظيف "الإخوان" في نفس مشروعهم، وهنا يبدو الوجه السيئ للعلاقة بين تنظيم الإخوان وبين أردوغان.
استقبلت تركيا لسنوات طويلة بعد عام 2013 الآلاف من الإخوان المسلمين لتحقيق حلمها القديم وتنفيذ مشروعها السياسي القائم على مهاجمة الدول الداعمة للاستقرار في المنطقة، كما ضربنا مثالًا بمصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، واستخدامهم في تحقيق حلم آخر يتمثل في عودة الإمبراطورية العثمانية حتى يُصبح أردوغان سيدًا على المنطقة.
مشروع أردوغان قائم على حلم شخصي يتمثل في عودة أمجاد أجداده حتى ولو كان ذلك على حساب مفهوم الدولة الوطنية والقومية وشعوبنا العربية، المهم ليس في الإسلام وإنما في عودة سلطان "زائف" لأجداد كانوا سببًا في ضياعه.
لا شك أن أردوغان يُعاني من مشكلة كبيرة تتعلق بأن أغلب الشعوب العربية كانت ترى الخلافة التي سقطت قبل أقل من مائة عام، احتلال فلا أحد يسعى لعودته، ومن يسعى لذلك من التنظيمات المتطرفة يفعله بطريقتها كما فعلت "داعش" وهو ما لا يريده أردوغان، لسبب بسيط هو أن تركيا لن يكون لها نصيب في ذلك، ولذلك جعل أمله الوحيد لعودة سلطان تركيا "الزائل" ممثلُا في الإخوان المسلمين.. وللقصة بقية.