قرأنا وسمعنا وشاهدنا خلال الأيام الماضية وقائع كثيرة ظهر في بعضها اختلاف التنشئة، فإحداها كانت «الشهامة» سمة من سمات البطل، التى دفعته للدفاع عن فتاة، حتى وإن كلفه الأمر حياته، في واقعة أخرى كانت العواقب جسيمة؛ لأن الشهامة غابت عن المشهد.. غابت عن كمسرى القطار وعن ركابه، فكانت المحصلة النهائية موجعة ومؤلمة، وكما قيل سابقًا: «الشهامة أهم الصفات الإنسانية، لأنها الصفة التى تضمن باقى الصفات»، لذا أقدم لك عدة نصائح لتعلمى ابنك الشهامة، فهناك بعض الخطوات البسيطة التى تحدث.
١- وصف الأطفال بصفات رائعة عن الشجاعة والصدق والشهامة والإخلاص والوفاء، فذلك الأمر يشعره بالمسئولية ويحثه على التحلى بتلك الصفات.
٢- احكى له قصصًا عن البطولات والنجاحات، قصصًا للتحفيز عن أبطال شجعان دافعوا عن الناس وعن الوطن وعن الضعفاء.
٣- شجعى طفلك على المشاركة في المناقشات الأسرية، لا تسخرى من الطفل مهما كان رأيه، حتى لا تفقديه الثقة بنفسه وتجعليه يشعر بأنه بلا قيمة، وبمرور الوقت ينمو بداخله الإحساس بالضعف الذى يمنعه من التفاعل الإيجابى مع الآخرين من حوله.
٤- لا تقتصر الشهامة على أصحاب البنية القوية بقدر ما تعتمد على التنشئة الأخلاقية السليمة للطفل، لكن تبقى الرياضة محفزًا أساسيًا لتهذيب النفس والإحساس بالقوة، لذا اجعلى طفلك يمارس الرياضة.
٥- امنحى طفلك تقديرًا أمام الآخرين، مثل مصافحته أمام الجميع كواحد منهم، الاستماع إليه بإنصات أمام الآخرين وإبداء الاهتمام بما يقول.
٦- امنحيه مسئولية تناسب سنه، وأستأمنيه على الأموال، امنحيه مسئولية التصرف في بعض الأمور وعلميه كيفية المحافظة عليها وكيف ومتى ينفقها.
٧-علمى طفلك الجرأة وقول الحق وكتمان الأسرار، واشرحى له عاقبة الكذب وإفشاء السر، واحكى له عن العاقبة السيئة لبعض النماذج التى اتصفت بهذه الصفات السيئة.
٨- اجعلى له هدفا أو نموذجا أو قدوة والأقرب أن يكون والده فحدثيه عن إيجابياته واجتهاده ونجاحه وحرصه على العمل للنهوض بمسئوليات الأسرة.
أفكار مغلوطة
هناك بعض الأفكار المغلوطة التى توارثناها وأكدنا زيفها ببعض الأقوال والأمثال، وربما يكون أعداؤنا من زرعوا تلك المقولات في عقول البعض ليهدموا ما كان يتميز به مجتمعنا من سمات وفضائل، كتلك التى رددها البعض كثيرًا: «امشى جنب الحيط، عيش ندل تعيش مستور، الجرى نصف الجدعنة»، كثُرت الأقوال حتى باتت كتبًا ومراجع عنوانها: «وأنا مالي»، فتفسخت أواصر المجتمع، وبات الشهم عملة فريدة، أو وهجًا يخطف العين ثم تنطفئ سيرته؛ ليحل محلها وهج زائف من الجبن والخسة، وكأننا كمجتمع لم نعد قادرين على تقديم نماذج جديدة للشهامة غير تلك التى نرويها لأطفالنا، ومع ذلك تبقى التربية المصرية والأسرة المصرية رغم كل محاولات التشويه قادرة على إخراج أبطال حقيقيين أسوياء يدفعون أعمارهم مقابل شهامتهم؛ ليدّونوا دروسًا جديدة في الأخلاق، وهنا أعرض لكم ٣ نماذج كانت حديث مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية.
ماذا حدث لـ«ملوك الجدعنة»؟!
أتمنى أن نعود إلى شيمنا السابقة، أن ننفض من على أكتافنا ما علق بها من أخطاء وصفات سيئة، أن نعود كما كان ينادينا العالم أجمع «ملوك الجدعنة»، حينما كانت الشهامة هنا صفة جمع وليست حالات فردية، كنا الغوث والملجأ والسند لكل المستضعفين على مر التاريخ، كنا الأمان والأمن والدفء لمن يقصد أرضنا وديارنا، كانت بيوتنا عامرة ومفتوحة وعقولنا مستنيرة، ونساؤنا دررًا، لا نهينها، ولا نتعدى عليها قولا ولا فعلا، كنا على قمة جبل الأخلاق ودفعونا لهوة، لكننا بتاريخنا وبإرادتنا قادرون على أن ننهض ونتلاشى تلك الأخطاء ونؤسس جيلًا جديدًا يؤمن ويعنى بكل الصفات الحميدة التى أهمها الشهامة. لماذا غابت الشهامة عن الشارع المصري؟
شهامة المصريين، تعد اللغة الرمزية المحفورة في عقول دول العالم أجمع إذا مرت عليهم كلمة مصرى، نعم إنهم المصريون الذين يثبتون كل يوم أنهم أهل الشهامة في كل مواقفهم، ويعطون دروسًا في التضحية والفداء، وعلى استعداد دائمًا لأن يلقوا بأنفسهم في المهالك إذا تعلق الأمر بإنقاذ روح مرهونة عليهم لأن مروءتهم لا تسمح لهم بأن يشاهدوا موقفًا يتطلب منهم الإقدام على التضحية ويختارون أنفسهم، وهذه لم تكن مجرد كلمات عابرة نتناقلها عن أنفسنا، وإنما هم نماذج حقيقية على أرض الواقع، لكن لماذا غابت الشهامة عن الشارع المصري.
* انتشار البلطجة والعنف في فترة ما بعد يناير ٢٠١١ أحدثت حالة من الخوف في قلب المواطنين، فجعلت سلوك المواطن «سلبيًا» تجاه الأحداث اليومية التى يشاهدها.
* الفجوة الطبقية في المجتمع خلقت نوعًا من الحقد الطبقى، الذى يعد أحد أسباب سلبية سلوك المواطن تجاه المجتمع، فهو يكره كل شىء تفعله الدولة نتيجة مشاهدته لكم البذخ والترف الذى يعيشه بعض أفراد المجتمع، فضلًا على أن الأغنياء كان لهم دور في المجتمع المدنى من بناء مستشفيات ومدارس والعطف على الفقراء، موضحًا أن الأمر تغيّر الآن بعد اتهام عدد من رجال الأعمال بالفساد والاستيلاء على ملايين الجنيهات من أموال الشعب، ما جعل سلوك المواطن سلبيًا تجاه أى شىء يمكن أن يفيد المجتمع اعتقادًا بأنه لا يجنى شيئًا من وراء ذلك.
* العشوائيات التى أخرجت جيلًا من الشباب والأطفال انتهجوا سلوك الفوضى، ولعل ما تفعله الدولة حاليًا من بناء مساكن جديدة للأهالى والقضاء على العشوائيات، يكون أحد أدوات إعادة إنتاج الأخلاق للمجتمع.
* وسائل الاتصالات الحديثة من الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي، تلك التى في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فقد أحدثت كوارث أخلاقية وساهمت في تدمير أجيال كثيرة إذ إنها دون رقابة. فمصر وللأسف مسجلة أعلى نسبة مشاهدة للمواقع الإباحية وحالات التحرش غيرت من شخصية المواطن المصرى وكل هذه وسائل استخدمتها دول أجنبية في تغيير الشخصية المصرية.
محمود البنا.. شهيد الشهامة
وجهه، ما إن ترى صورته إلا وتدرك أنه حسن التنشئة والتربية، وأن وصفه بشهيد الشهامة أقل ما يمكن أن يقال عنه.. محمود دفع حياته ثمنًا لشهامته، لأنه أراد أن يدفع الضر عن فتاة بقدر ما يملكه من قوة، ولم يخش تهديدًا، ولم يجبن.. فعاشت شهامته وماتت سيرة من غدر به.
تعود أحداث القضية عندما رأى محمود البنا أحد زملائه وهو محمود راجح يتحرش بفتاة، ثم يتعدى عليها بالضرب، فحاول منعه، إلا أن الجناة تربصوا به، ونفثوا في وجهه مادة حارقة، ولمّا سمع أصدقاؤه صراخه، هرعوا إليه وخلصوه من أيديهم، فركض محاولًا الهرب، إلا أنّ المتهمين تعقبوه وطعنوه بالسكين، ليلفظ أنفاسه الأخيرة قبل نقله للمستشفى.
محمد عيد.. شهيد عدم «الشهامة»
في هذه القصة غابت الشهامة، مهما قيل من مبررات، فالحقيقة أن الشهامة غابت من عربة القطار هذه بمن فيها، فغابت كل الخصال، غابت عن الكمسرى ففتح الباب وغابت عن الركاب فلزموا الصمت ولو تحركوا بشهامة لأنقذوا الموقف. «محمد عيد» شاب ٢٣ عامًا، ضحية حادث قطار الإسكندرية، وهو شاب يعمل في صناعة المشغولات اليدوية من الميداليات والخزف، ومنذ أسبوع، خرج محمد عيد، وصديقه أحمد سمير، واتجها إلى مدينة الإسكندرية لقضاء عطلة بالمدينة، وظلا هناك حتى نفدت النقود التى كانت بحوزتهما، وفى أثناء العودة، صمم كمسرى القطار على دفعهم سعر التذكرتين نحو ٧٠ جنيهًا، إلا أنهما أخبراه بأنهما لا يملكان هذا المبلغ، فأصر على نزولهما من القطار، وصمم على قفز الشابين وبالفعل تمكن أحدهما من القفز بعيدًا عن قضبان السكة الحديد، وأصيب برأسه، ويذهب الثانى ضحية هذه العملية لعدم تمكنه من القفز.
النقيب محمد شحاتة.. ضابط شهم
يبدو الأمر للبعض بسيطًا لكن موقف الضابط سيظل منحوتًا في ذاكرة هذا الطفل، وسيحفظ هذا الدرس جيدًا وسيظل يتذكر هذا الضابط الشهم.
يقف في كمين تأمين الكيلو ٢١ غرب الإسكندرية وفجأة يظهر طفل لم يتجاوز العشر سنوات يأتى إليه مسرعًا «الحقنى.. الحقنى»، ويجرى خلفه صاحب سوبر ماركت ليوجه له التحية قائلًا: «الله ينور يا باشا دا حرامى». سأل النقيب محمد شحاتة، الضابط بإدارة البحث الجنائى بالإسكندرية، الطفل: «أنت سرقت إيه منه؟» فوجد في يده كيس عيش وكيس شيبسي، والطفل يقول له: «ما تحبسنيش يا باشا»، فرد عليه الضابط الشهم: «ما تخفش يا حبيبي»، ثم أخرج محفظته وأعطى للبائع ثمن العيش والشيبسي، فتعجب البائع وقال له: «يا باشا ده عيل متشرد حرامي»، فرد الضابط بعبارة لو عقلها البائع لكان فيه بعض من أصحاب الشهامة: «لما طفل عنده ١٠ سنين ياخد منك أكل ويجرى ده ميبقاش اسمه سرقة ده يبقى اسمه جوع».
حكاية من التاريخ
أوفد صلاح الدين طبيبه لمساعدة خصمه ليشفى من جروحه وزوّده بحصانين عندما سقط حصانه بالمعركة
«من ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد إلى صلاح الدين الأيوبى ملك المسلمين: حامل خطابى رجل شجاع.. وقعت أخته بالأسر فأخذها رجالكم إلى قصركم وغيروا اسمها من مارى إلى ثريا، وأن لملك الإنجليز رجاء ألا تفرقوا بينهما، ولا تحكموا على عصفور بأن يعيش بعيدًا عن أليفه وفيما أنا بانتظار قراركم أذكركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب، وقد سمعته من صديقى الأمير حارث اللبنانى وهو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟».
هذه الرسالة كما يستشف من مضمونها وجهها الملك ريتشارد الأول الذى قاد الحملة الصليبية الثالثة إلى دول المشرق لغريمه ملك المسلمين صلاح الدين الأيوبى للإفراج عن إحدى أسيرات الحروب بين الجانبين.
ردّ صلاح الدين على الرسالة كان شاهدًا على نبل ورقى وشجاعة وفروسية هذا الرجل ويلخص الأطروحات التى كتبت عن طبيعة العلاقة والمواجهة بين الملكين الخصمين، اللذين دخلا التاريخ من أوسع أبوابه.
فردّ صلاح الدين: «من سلطان المسلمين إلى ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد، صافحت البطل الباسل الذى أوفدتموه رسولًا إلى، فليحمل إليكم المصافحة ممن عرف قدركم في ميادين القتال، وإنى لأحب أن تعلموا أننى لن أحتفظ بالأخ أسيرا مع أخته، لأننا لا نبقى في بيوتنا إلا أسلاب المعارك، لقد أعدنا الأخ لأخته، وإذا عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكى يعمل ريتشارد بقول عيسى: فرد أيها المولى الأرض التى اغتصبتها إلى أصحابها، عملًا بوصية السيد المسيح عليه السلام.