الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شعب خارق من قمة الفقر إلى قمة الغنى في 50 عامًا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال لى إننا حين نشرب الشاى مع من يكبرنا سنًا ندير وجوهنا إلى الجنب من باب الأدب. وحين نقدم له شيئًا نضع يدنا اليسرى لنسند بها يدنا اليمنى من باب الاحترام! فشعب كوريا الجنوبية فى غاية الأدب فى جميع معاملاته.. يحترم الكبير والغريب والمرأة والضيف، وفوق أدبه الجم تجد دقته المتناهية فى كل ما يفعله فلا مجال للخطأ حتى ولو كان بسيطًا، تجدهم ساعات متحركة مضبوطة تفكر بلا توقف عن أفضل وأسهل وأمتع الطرق لإنجاز المهمة الموكلة إليهم، وكوريا الجنوبية دولة غير عادية بجميع المقاييس!! شعب بإرادة غير طبيعية مكنته حتى فى الرياضة من أن يهزم ألمانيا فى كرة القدم فى كأس العالم الأخيرة!! شعب نقل دولته بسرعة الصاروخ من ثانى أفقر دولة فى آسيا حيث كان دخل الفرد فيها ٧٩ دولارًا فقط فى السنة فى عام ١٩٦٢، ولم ينافسها فقرًا وقتها سوى غانا والسودان إلى أكبر عاشر اقتصاد فى العالم وفى زمن جيل واحد فقط! ورغم أن تعداد سكان كوريا الجنوبية ٥٤ مليونًا أى ما يعادل نصف سكان مصر فهى تصدر بما قيمته ٤٩٥ مليار دولار فى العام (السابعة عالميًا) ومستوى دخل الفرد نحو ٢٩ ألف دولار سنويًا (٣٩ ألفًا مقومًا بالقوة الشرائية) أى بزيادة ٣٧٠ ضعفا وبناتج قومى قارب ٢ تريليون دولار سنويًا واحتياطي قيمته ٣٨٤ مليار دولار!. 
إذًن ما هو سر معجزتها المبهرة وهى دولة بلا أدنى موارد طبيعية أو بترول على الإطلاق وبمساحة أرض محدودة جدًا و٧٠٪ منها أراض جبلية لا تصلح للسكن. قال لى مضيفى لقد اهتمت الدولة منذ بداية نهضتها بالتعليم وعلى أعلى المستويات فطالب الثانوى يقضى بالمدرسة ١٥ ساعة يوميًا!! شهقت وأنا لا أصدق! قال نعم كنا نذهب للمدرسة فى السادسة صباحًا ونعود للمنزل فى العاشرة مساء! والحصص لمدة ٦ ساعات ثم نجلس فى المدرسة للبحث والتدريب العملى والاستذكار. قلت والتليفزيون؟ قال كنا لا نراه فهو إضاعة للوقت بلا طائل! قلت ولم كل هذا؟ قال حتى نستطيع الدخول للجامعة فالمنافسة شديدة والجامعة مكلفة جدًا. فالتعليم فى كوريا مختلف عن معظم دول العالم فهو يبدأ من سن ٨ سنوات يسبقها حضانة لمدة ٣ سنوات من سن الخامسة وفترة الدراسة اليومية فى الحضانة والابتدائى ٣ ساعات فقط يوميًا تزيد فى الإعدادى إلى ٦ ساعات. بنت كوريا اقتصادها على التصدير الصناعى والتقنى. فأربع شركات خاصة مملوكة لعائلات تشكل نحو ٥٠٪ من صادراتها. ولا ينافس الشعب الكورى فى دقته وأدبه سوى جاره الشعب اليابانى! لذا فسعادة الكوريين لا توصف بتفوق منتجات لهم على منتجات لليابانيين، وهم ينتظرون اليوم الذى تتفوق فيه سياراتهم عن قريب على منافستها اليابانية. وخلاصة استنتاجى أن الشعب الكورى فريد فى جيناته فلا يمكن أن تتصور هذا الأدب والنظام والدقة والجدية فى العمل بدون استعداد جينى له. فعندهم الإسلام والمسيحية مطبقان حرفيًا فى أخلاقهم بلا إسلام أو مسيحية وبغير لِحَى وبراقع وفتاوى ومواعظ صدَّعتنا لسنوات بلا تطبيق. ذهبت مع زملائى من جامعة هارفاد لتدريس دورة فى مجال السكر للمرة الثانية وفى كل مرة أكاد لا أصدق دقتهم المبهرة واحترامهم الشديد للوقت مع طاقة عمل لا تكل ولا تمل مع اهتمامهم الواضح بالتجهيز الدقيق والمنضبط والذى لا يترك هفوة. ففى مرحلة نهوضهم الصاروخية عمل الشعب الكورى ستة أيام فى الأسبوع بمعدل ٥٠ ساعة أسبوعيا تحت شعار «لوطنى وليس لي». وما زال هذا شعارهم. وسهلت دولتهم الاستثمار لتصبح الرابعة عالميًا فى سهولة الاستثمار. والشعب الكورى «فايق وصاحي» دائمًا وليس مخدرًا ومغيبًا كشعوب كثيرة لا تدرى حركة الزمن مع غيبوبة كاملة وهرجلة شديدة فى العمل والمعاملات. فالشعب الكورى يتعامل مع بعضه البعض بأدب جم وبابتسامة مريحة لا ترى مثلهما فى مكان آخر. لقد قلت لأحد مُضِيفينا وكلهم من الشباب الرائع «كيف أصبحتم بهذا الأدب والاحترام؟» فضحك! نريد فعلًا رحلة جماعية لنرى هذا الشعب فى متحف تقدُّم البشر وتميزهم فهم مقياس عالمى لحسن الخلق والقدرة على النهوض أو لعلنا نُحضر بعضهم عندنا لمراقبتهم يوميا ومقارنتنا بهم فى جميع المواقف. لقد وصلت البطالة مؤخرًا فى كوريا إلى ٣.١٪ فقط وحققت الدولة فائضًا بالمليارات سنويًا جعل الدولة تغطى ٧٠٪ من تكلفة العلاج الراقى لمواطنيها الذى هو حق عليها كما هو حق التعليم الأولى حتى الجامعة. لقد زرعت دولتهم الوطنية زرعًا فى قلوبهم. لقد كان لسان حالى يقول فى كل لحظة «حرام عليكوا كده..كفاية تقدم وأدب ودقة وجودة!»...لقد حارب الشعب الكورى الفساد بجميع صوره وانتصر عليه فها هى رئيسة كوريا السابقة تقضى عقوبة السجن حتى الآن لفسادها!!! لقد أذهلنى هذا الشعب برغبته الحقيقية فى النهوض والتقدم فأصبح معجزة على أرض الواقع.. «عقبالنا»!