هل نحتاج إلى تشريع جديد متشدد لمعاقبة حاملى الأسلحة غير المرخصة.. أم نحتاج إلى صحوة في الوعى والوجدان والثقافة ليتقدم الحوار وتنتصر دولة القانون؟.
في جولة من خلال الإنترنت تعرف أن عقوبة حيازة أسلحة تصل إلى المؤبد وهى عقوبة كافية ورادعة.. ولكن كل صباح يقرأ الناس عن ضبطية هنا وحادثة هناك.. وتبلورت الصورة الأسبوع الماضى بجريمة منكرة راح ضحيتها شاب في العقد الثالث من عمره.. كل ذنبه أنه يشغل موقع رئيس مباحث مركز قوص بمحافظة قنا. الشاب اسمه باسم فكرى وصل إلى رتبة رائد ومشهود له بالنزاهة والجدية في عمله.. استطاع أن ينجح في مهمته بالقبض على مجرم مطلوب لتنفيذ أحكام صادرة ضده ولكن هذا النجاح لم يتوافق مع إرادة اثنين من عصابة المجرم الذى وصفه البعض بـ«خط الصعيد».. وفى مطاردة منهما لتهريب رجلهما بالبنادق الآلية واشتباك مضاد للشرطة بقيادة باسم فكرى ذهب الشهيد إلى رحاب الله.. وبقيت الجريمة تصرخ على ضفاف النيل.
هذه القصة مكررة حتى أن بعض الزملاء من الكتاب والصحفيين قد أصابهم الملل من تكرار الكتابة عنها.. ولأن الصمت على مثل هذه الجريمة هو نوع من الهروب وعدم تحمل المسئولية أجد أن الواجب يفرض على كل من يهتم بمستقبل هذا البلد أن يواصل معركته بالقلم والمتابعة والفضح حتى نصل إلى مصر الآمنة.. استشهاد الرائد باسم فكرى جرس إنذار جديد يدق بصوت عال لننتبه بأن الأمن الجنائى لا يقل أهمية عن الأمن السياسي.. بل أزيد على ذلك وفى تقديرى الشخصى ولا ألزم أحدا بهذا التقدير بأن توافر سلعة الأمن والأمان تسبق توافر سلعة رغيف العيش.. لسبب بسيط جدا وبديهى وهو أن توافر الأولى يصل بنا إلى الثانية في سهولة ويسر.
وعلى ذلك نسأل عن تراث لا يجب إنكاره وهو اعتزاز وفخر قطاعات واسعة في صعيد مصر لحيازتها سلاحا آليا.. فما هو الفخر في ذلك؟ وما العزة في أن تعيش على حرف رصاصة وزناد؟.. الدماء التى تسيل والأرواح التى تزهق هى وصمة عار لمجتمع دخل القرن الحادى والعشرين وخاض ثورتين وأسقط تنظيما إرهابيا عالميا اسمه تنظيم الإخوان المسلمين ويراهن على المستقبل بسباقه المحموم في مشروعات التنمية.. كل هذا ليس إلا قشرة للحداثة بينما العمق هو جاهلى بامتياز.
صعيد مصر الذى أنجب لنا عباقرة الإبداع من الأبنودى إلى دنقل إلى طه حسين إلى مئات المشاريع الثقافية المتكاملة مع أول ثغرة يبرز لنا في وقاحة دولة التطرف في أسيوط وجرائم الدم وكأننا في غابة.. يغادرنا الشهيد باسم فكرى وهو عاتب علينا لأن الرصاصات التى أصابته كانت أكثر رحمة من سرطان العنف المجتمعى المنظم.. بمجرد أن يشب الطفل في الطوق في مصرنا المحروسة إلا ويبحث لنفسه عن عناصر القوة والسيطرة.. راجعوا وواجهوا الحقائق في الأحياء الشعبية من شمال مصر إلى جنوبها.. اسألوا ورش الحدادة التى تركت الصنعة وتفرغت لصناعة السنجة والسيف.. لا يغرنكم البراءة في وجوه البعض وتابعوا صفحات الحوادث بالصحف لتعرفوا أن كل واحد منا هو مشروع ضحية ولكن في درجة أقل من الشهيد باسم فكري.
الحمل ثقيل جدا واذا لم تتضافر جهود كل المؤسسات من القضاء إلى الثقافة إلى التعليم والإعلام فسيصبح المثل الذى أطلقه سائقو التوكتوك صحيحا.. بل قد يصبح عرفا وقاعدة وقانونا حيث يقول المثل «البيت اللى مافيهوش صايع.. حقه ضايع».. نعم وصلنا إلى هذه الدرجة من السلوك الإنسانى الوضيع.. وننتظر مؤشرات ولا أقول ننتظر الحسم النهائي.. فقط حلم بسيط متواضع يريد مؤشرات بأننا على طريق المواجهة.. حتى لا تضيع دماء الرائد باسم فكرى ولا نفقد الأمل في الغد الذى نرسم ملامحه معا.