السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواجهة مشروع أردوغان بين التأسيس والتسييس (8)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شكوك كثيرة حول علاقة تركيا بالتنظيمات المتطرفة، ولكنها شكوك ترتقي إلى مستوى الحقيقة، ولعل العملية العسكرية الأخيرة التي قُتل على خلفيتها، خليفة تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي تؤكد هذه الشكوك ولا تدع مجالًا للشك فيها وتؤكد ارتباط تركيا بالتنظيم الأكثر تطرفًا، والذي نجح في إقامة دولة له لمدة 6 سنوات كاملة في ظل صمت دولي.
قُتل أبو بكر البغدادي في قرية حدودية تسمى "بريشا" تابعة لمحافظة أدلب "السورية"، ولكنها تخضع للقوات التركية وهناك حضور عسكري تركي في هذه المحافظة، فلم يجد "البغدادي" وصحبه مكانًا أكثر أمانًا من ذلك الذي يخضع عسكريًا للقوات التركية.
إدلب محافظة سورية ولكن للأتراك سيطرة عسكرية عليها، وبالتالي كان المخطط أن يتواجد فيها "البغدادي" مقابل أن تغمض القوات التركية عينيها عنه، وللمفارقة إن هذه المحافظة تخضع لسيطرة قوات مسلحة تابعة وموالية لتركيا منها تنظيمي هيئة تحرير الشام وحراس الدين، وهنا كان "البغدادي" في حراسة تنظيمات دينية تابعة لتركيا، فضلا عن القوات التركية التي وفرت له حماية على الأراضي التي كانت تُسيطر عليها.
تركيا خاضت حربًا مع قوات سوريا الديمقراطية لأسباب منها خشية وقوع تنظيم "داعش" ورأسه التي كانت تختبئ في هذه المناطق التي سيطر عليها الأكراد، فدخلت لهذه المناطق من أجل أن تصرف النظر عنها وتكون بعيدة استخباراتيًا عن قوات سوريا الديمقراطية التي لم تكل من البحث عن "البغدادي" حتى تكلل مهامها في القضاء على "داعش" بنجاح.
على كل الأحوال نجحت قوات سوريا الديمقراطية في الوصول لرأس أبو بكر البغدادي، فالعملية العسكرية التي حدثت في 27 أكتوبر الماضي وقتل على خلفيتها أبو بكر البغدادي، هي عملية استخباراتية بامتياز، وليس حقيقي ما حاولت القوات الأمريكية أن تقوله عبر رسائلها من إنه انتصار أمريكي على "داعش"؛ فقوات سوريا الديمقراطية هي من لها الفضل في سقوط مملكة "داعش" في مارس من العام الجاري، وهي أيضًا من وصلت إلى مكان اختباء "البغدادي"، وأمريكا لم تفعل شيئًا غير التنفيذ فقط، وهو أسهل ما في عملية مقتل "البغدادي".
خطة تركيا تمثلت في إرباك قوات سوريا الديمقراطية حتى لا تنجح في معركتها الأخيرة في القضاء على رأس التنظيم، ومن هنا انطلقت عملية "نبع السلام" التركية، ولكن نجحت القوات الكردية في التوصل لمكان اختباء "البغدادي" بما يدل على قوتها ليس فقط الأمنية ولكن الاستخباراتية أيضًا، ولعل قوتها الاستخباراتية فاقت أجهزة استخبارات لدول كبرى كانت تبحث عن "البغدادي" ولكنها فشلت في الوصول إليه.
لا يخفى على أحد أن تركيا ولسنوات 6 وما قبل قيام مملكة "داعش" وتحديدًا في 29 يونيو عام 2014 وقد أصبحت ممرا وجسرا للتنظيمات المتطرفة العابرة إلى سوريا، تلك التي أتت من أفريقيا وأوروبا، وهو ما يفسر علاقة أنقرة بأبو بكر البغدادي وجماعته وكل التنظيمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا.
يمكن فهم مشروع أردوغان والتنبؤ بسلوكه السياسي فهو أمر ليس مستحيلًا لو فهمنا أبعاد المشروع الذي يتبناه وأدواته، هذا الفهم يجعلنا أكثر قراءة لسلوكه السياسي في المستقبل، ولهذا يمكن توقع سلوك أردوغان لعشر سنوات قادمه لو أتيح له أن يظل في الحكم، فطريقة أردوغان لا تختلف كثيرًا عن طريقة الكثير من الجماعات المتطرفة التي عاشت عقودًا طويلة وكانت أكثر ذكاء في التعامل مع بعض الأنظمة السياسية.
مشروع أردوغان سوف ينتهي مثل كل المشاريع التي قامت على نبذ الآخر أو التي جعلت من نفسها وصية على غيرها في مجتمع لا يؤمن سوى بالقوة، قوة ممزوجة بقيم العدالة والشفافية واحترام الآخر، تلك التي تحترمها الشعوب والمجتمعات، هذه الشعوب لا تحترم إلا من يحترمها ويقدرها.
صحيح تركيا دعمت ومازالت هيئة تحرير الشام وبحثت لها عن مأوى وحافظت على وجودها، ولكنها في ذات الوقت دعمت تنظيم "داعش" ورغم حالة العداء بين كلا التنظيمين إلا أن تركيا كانت نقطة الالتقاء والداعم لهما، وقد يكون مقتل أبو الحسن المهاجر، المتحدث الإعلامي للتنظيم في منطقة جرابلس الحدودية والتي تُسير فيها تركيا دوريات عسكرية يؤكد ما ذهبنا إليه من وجود علاقة قوية بتنظيمات العنف والتطرف في مقدمتها "داعش" حيث وفرت حماية للقيادات رفيعة المستوى على الأراضي السورية التي تسيطر عليها أو لها وصاية عسكرية عليها، وهذا من منطلق مشروع أردوغان الذي لا يمكن أن نجادل في وجوده.. وللقصة بقية.