الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل تموت ليبرا فيس بوك قبل أن تُولد؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أطلق فيسبوك فى الثامن عشر من يونيو الماضى عملته الفريدة «ليبرا» فى محاولة منه لتقديم ما رآه خدمة مفيدة للمستخدمين، وما رآه العالم محاولة جديدة من فيسبوك لتحقيق مكاسب عبر سيطرة جديدة على العالم، إلا أن فيس بوك لم يطلق هذه العملة حتى الآن. 
تواجه الليبرا حربًا ضروسًا من أكثر من جهة، يحب أن يسمى البعض هذه الحرب «مخاوف» إلا أن هذه المخاوف تحولت لعقبات كبيرة تهدد ظهور هذه العملة، لعل أكبر هذه التحديات هو التلويح الدائم لفيسبوك بتاريخه غير المشرف مع الحفاظ على بيانات المستخدمين فى حالات كثيرة، واضطلاعه بتسريب البيانات الشخصية للكثير من المستخدمين. يأتى فى مقدمة هذه الاختراقات فضيحة «كامبريدج أناليتيكا»، إذ قالت شركة فيس بوك إن تلك الفضيحة لاختراق البيانات الشخصية لمستخدمى الموقع اتسعت لتشمل ٨٧ مليون شخص من المستخدمين، معظمهم فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت شركة كامبريدج أناليتيكا تعمل لصالح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى فترة الانتخابات الرئاسية التى فاز بها، لذا وانخفضت أسهم فيس بوك ١،٤ بالمائة الأربعاء إلى ١٥٣،٩٠ دولار. وتراجعت بأكثر من ١٦ بالمائة منذ تفجر فضيحة كامبريدج أناليتيكا. فى حين اكتفت تلك الشركة بأن تبرر اختراقها بأنها اشتركت مع أستاذ جامعى «بُحسن نية» فى جمع بيانات فيس بوك بطريقة مماثلة لتلك التى جمع بها مطورو تطبيقات تابعة لطرف ثالث معلومات المستخدمين الشخصية، وتحمل فيس بوك بعد جلسات استماع قانونية غرامة مالية كبيرة، بالإضافة لتعهدهم بإخبار الأشخاص الذين اخترقت بياناتهم بحقيقة ما حدث لهم.
من ناحية أخرى حارب مؤلف الكتاب الذى اقتبس منه فيلم «الشبكة الاجتماعية» (The social media)، Ben Mezritch، الليبرا من باب أن رؤية فيسبوك لعملية إطلاق العملة الرقمية تعتمد على أن المستخدمين سيشترون هذه العملة بأموالهم الحقيقية ثم ينفقونها على السلع والخدمات فى عالم الإنترنت، وينبغى أن يكون إرسال «ليبرا» إلى الناس عبر تطبيقات فيسبوك، مثل واتساب وفيسبوك ماسنجر، أمرًا سهلا، هذه العملية ستكون صغيرة فى البداية، لكنها ستصبح أكبر، بحيث ستصل إلى مرحلة سيكون من الصعب العيش من دون حساب ليبرا، وعندما تصل إلى تلك المرحلة، وإلى جانب ما يتوافر من معلومات وبيانات قدمها المستخدمون لفيسبوك وتطبيقاتها، ستصبح الأمور أكثر خطورة، إذ سيضيف المستخدمون بياناتهم المالية هذه المرة إلى فيسبوك وشقيقاتها، ولهذا السبب اعتبر المنتقدون للعملة الرقمية الجديدة من فيسبوك أنها أكبر أشكال التجسس وأكثرها خطورة، وحاربوا صدورها بكل الطرق الممكنة من تعكير سمعتها، وتنفير المستخدمين منها عبر تخويفهم من استخدامها، وهو ما نشاهده فى مقالات مختلفة على صفحات مجلات اقتصادية موثوق لها مثل فوربس، وروجت هذه المقالات ضمنيًا لفكرة أخافت الكثيرين فحواها أن الحافز والمحرك وراء ليبرا عميق جدا، ويدخل فى صلب مفهوم شركة فيسبوك، ونواياها بالسيطرة ليس على حياتنا الاجتماعية فحسب بل على كل شيء آخر.
وعلى ضفة رئيسية من نهر الليبرا نجد حربًا أخرى شنتها عليها الأنظمة المصرفية العالمية، التى رأت فيها تهديدًا كبيرًا لها ولعملها، إذ تستهدف الليبرا هؤلاء الذين لا يملكون حسابات بنكية مصرفية فى الأساس، ويمكنهم الحصول على الليبرا بطرق أخرى على موقع فيسبوك وشركائه فى إصدار الليبرا والتعامل بها، إذ هى عملة لا ترتبط بالدولار ولا بأية عملة نقدية، مما يضمن أنها لن تتأثر بأية هزة اقتصادية لأنها ليست نقدًا بأية طريقة، هى مجرد نقاط تقايض بها خدمات مختلفة مثل توصيلات Uber، إن صفة اللاحدود التى تتمتع بها الليبرا جعلت حكومات كثيرة تخاف من قدرتها على هدم الأنظمة النقدية فى أسواقها، فليس هناك دولة قادرة على تنظيم شيء لا يخضع لأنظمة محددة فى ذات الوقت، بل إنه يكتسب قوته من اللاتنظيمية الخاصة به، وأطلقت الحكومة الأمريكية تخوفها الذى طابق كلمات Mezritch حين قال: «إذا نجحت ليبرا وأصبحت العملة الفعلية على الإنترنت فسوف نحتاج إلى وضع إيماننا وثقتنا وأمننا المالى فى أيدى فيسبوك». حتى أنه أسمى البيانات المالية بـ «النفط الجديد» فى إشارة إلى أن هذه البيانات ستجعل من الليبرا أداة إثراء فائقة فى يد فيسبوك.
أدت هذه الحروب الموجهة ضد الليبرا قبل صدورها إلى حدوث أمر غير متوقع. بعد فترة قصيرة من إصدار الليبرا، بدأت بعض الشركات فى الانسحاب، فقد كانت البداية مع شركة PayPal التى انسحبت فى الرابع من أكتوبر الجارى، ثم بحلول ١١ أكتوبر، انسحبت أربع شركات أخرى هم «فيزا وماستر كارد وStripe وMercado Pago»، ويعنى هذا أن كل خدمة دفع رئيسية فى الولايات المتحدة غادرت تحالف عملة فيس بوك الرقمية الجديدة، وهو ما يشير إلى تحول مثير للانزعاج للمشروع المدعوم من فيس بوك، وأول إشارة واضحة إلى أن مؤسسى ليبرا ربما يعيدون التفكير فى الأمر. يتضح من نظرة بسيطة لطبيعة الشركات المنسحبة أنها شركات دفع، مما يعنى أن لديهم متطلبات تنظيمية محددة تتعلق بالاحتيال وغسل الأموال وفرض العقوبات، وقد بدأت الحكومات تدرك أن «ليبرا» قد يجعل من الصعب تلبية تلك المتطلبات - وأن ينتهى الأمر بمعالجات الدفع على وجه الخصوص. يشير ذلك إلى تخوف تلك الشركات من الانخراط فى تسهيلات مالية تخدم الإرهابيين وغاسلى الأموال.