الطائفية والتقسيم الطائفى من أهم الأدوات والأساليب التى أقرها وطبقها الاستعمار بكل أشكاله وبشتى صنوفه على مر التاريخ، والهدف من التقسيمات الطائفية هو السيطرة والقدرة على استغلال مقدرات الشعوب عن طريق تفريق صفوفها وتشتيت وحدتها وإضعاف قوتها حتى يسهل السيطرة عليها، حيث إن التفرق والتشتت ضعف في مقابل قوة وقدرة الدول الاستعمارية، وهذا التفرق والتشتت والضعف كان وسيظل سلاح المستعمر في كل زمان وكل مكان مع اختلاف الدرجة وتطور الأساليب التى تتوافق مع نوعية الطائفية سواء كانت دينية أو جهوية أو قبلية، فوجدنا الحروب الصليبية في عام 1095 وهى تستغل التركيبة الطائفية بين المسلمين والأقلية العددية المسيحية تحججًا بحماية بيت المقدس وحماية المسيحيين، وهو ما تكرر مع الاستعمار الفرنسى والبريطانى من استغلال ورقة حماية المسيحيين، ولما كانت منطقة الشرق الأوسط تمثل أهمية إستراتيجية لكل قوى الاستعمار على مر الزمان وجدنا تلك المؤامرات تُحاك وتُنفذ بلا هوادة وبكل الطرق،ولذا كانت معاهدة سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا حول تقسيم المنطقة على أسس طائفية حين ذاك،وذلك لتسهيل وتمهيد التربة لزرع ثمار الصهيونية البغيضة الذى بدأ بعد وعد بلفور عام 1917 وصولًا لإعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين 1948،وظل وما زال هدف التقسيم قائمًا وبلا هوادة ولا توقف،ولذا كان من الطبيعى أن تُعلن تلك المؤامرات الأمريكية والصهيونية،منذ عام 1983، التى وضعت الخرائط المستهدفة لتقسيم الدول العربية،كل دولة إلى عدة دول، وبالفعل تم ولا يزال يتم هذا التقسيم،فشاهدنا تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، والعراق الآن يئن تحت سياط الطائفية التى جعلته واقعيًا ثلاث دول بين سُنة وشيعة واكراد،وسوريا وما يحدث فيها من صراع دولى بالوكالة لكل الدول الكبرى التى تلعب وتتفاوض على سوريا مع الغياب العربى التام، وهنا في مصر وبعد 25 يناير وجدنا تلك المؤامرة التى استغلت الهبة الجماهيرية التى قام بها الشعب المصرى بهدف الاصلاح الذى تحول إلى فوضى بعد اختطاف جماعة الإخوان المسلمين لمصر في غفلة من الزمن وبتواطؤ من بعض النخبة التى لا ترى غير مصلحتها،وكان الهدف تبعية مصر لدولة الخلافة المزعومة، ناهيك عن استغلال التركيبة المصرية التاريخية بين المصريين المسلمين والمسيحيين والتى دائمًا وأبدًا ستظل الهدف الذى يمكن من خلاله تفتيت مصر،ولكن هيهات، والحمد لله فثورة 30 يونيو 2013 قد وضعت حدًا لهذا في مصر ولكن لم تسقط المؤامرة التى ستظل تسعى لتحقيق التقسيم الطائفي، والآن نرى تلك الهبات في العراق ولبنان رافضة ذلك التقسيم الطائفي، فلبنان منذ الاستقلال عام 1943 ومنذ ظهور شكل للدولة في عام 1946 وكان الهدف المستمد من سايكس بيكو والساعى دائما إلى التقسيم، جعل ولادة لبنان ولادة طائفية بين مسيحين وسنة وشيعة وداخل كل منهم طوائف وجماعات،فلبنان بلد الجمال والحب قد شاهد حرب أهلية من 1975 إلى 1990 راح ضحيتها آلاف اللبنانيين، ثم كان اتفاق «الطائف» الذى جاء على أرضية طائفية كانت قد تكرست وتحوصلت في الضمير الجمعى اللبنانى لكل الطوائف بلا استثناء،وكان اتفاق «الطائف» عام 1989 قد نص على إلغاء الطائفية السياسية وفقًا لخطة مرحلية وعَهد لمجلس النواب الجديد بتشكيل لجنة وطنية لهذا الهدف يرأسها رئيس الجمهورية وتضم رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة وبعض الشخصيات الفكرية والسياسية بحيث تضع هذه الهيئة تصورًا لكيفية إلغاء الطائفية، وعلى مدى ثلاثين عامًا من عمر الاتفاق لم يحدث تقدم في إلغاء هذه الطائفية بل جرى تكريسها من خلال توسيع نطاق المحاصصة ونقلها من مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية إلى كل مناحى ومفاصل الدولة ومؤسساتها بما في ذلك العملية التعليمية،وعليه منذ الأسبوع الماضى 17/10 شاهدنا جموع الشعب اللبنانى تخرج إلى الشوارع في كل المدن وفى جميع الضياع من كل الاتجاهات والتوجهات السياسية والطائفية والدينية رافعين الإعلام اللبنانية فقط بلا شعارات حزبية أو طائفية،بل الهدف لبنان وحده، فاجتمع الشعب وتوافقت الهبات على رفض النظام اللبنانى الطائفى الذى أنتج الضعف والفقر والفساد،فلبنان في ظل هذه الطائفية قد أصبحت تجمع للفساد الطائفى حيث إن كل طائفة لا تسعى الا لمصلحتها الطائفية اعتمادًا على الانتماء الطائفى المتقد في الجمع اللبناني، لبنان الشعب رفض هذا النظام بجملته،فالشعب يريد اسقاط النظام بلا استثناء «كلكن يعنى كلكن» ولذا فالمظاهرات لم تستثن أحد وفى عقر دار كل طائفية خرج اللبنانيون يتقدمهم أبناء الطائفية نفسها في موقعها الجغرافى.
لا شك أن هذا حدث غير مسبوق، في الوقت الذى لا ولن يسلم منه رموز الطائفية في مكتسباتهم التى يورثوها على حساب الشعب، حيث إن كل طائفة تعتمد على رديفها الخارجى ومن كل لون.
نعم إسقاط النظام بلا بديل فوضى والمطلوب حكومة تكنوقراط من خارج الأحزاب وهذا ليس سهل فالجميع الآن يراوغ ويُظهر تعاطفه مع الجماهير،ولكن وعلى كل الأحوال فلبنان قد تغير ولا رجعة في ذلك، فالتغير تراكمى والأهم أن الشباب اللبنانى ابن العصر والمرحلة التى نبذت الأحزاب وكشفت الاستغلال ورفضت الطائفية، فحتى لو طال الزمان فالتغيير أرسى إرهاصاته التى ستزداد وتنمو وتفرض نفسها على الواقع اللبنانى وفى أول انتخابات قادمة. حمى الله الشعوب الساعية إلى الحرية والقضاء على الطائفية.