الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عادت القلوب الدافئة.. بلا مدفأة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدكتور كمال قنديل واحد من الرجال الذين قادتهم الأقدار ليشاركوا في أعلى صناعة في مصر والعالم العربى والأفريقي وهى صناعة الكوادر البشرية، ورغم أنه دخل للمشاركة من بوابة الكيمياء إلا أنه عزز هذا العلم بمواقع قيادية في مصر والخارج لتحقيق هذه الرسالة سواء عميدًا بكلية العلوم أو رئاسة نادى أعضاء هيئة تدريس جامعة الإسكندرية، ولم تنقطع صلته سواء بالمواقع الاجتماعية لخدمة تلاميذه وقد التصق بالجامعة الروسية في أوج ازدهارها بعد تخرجه في 1967م حيث أصدر الرئيس عبدالناصر قرارا بتعيين معيدين لسد فجوة داخل المجتمع الجامعى ولم يكن بمصر سوى الجامعات الحكومية الأربعة «القاهرة والإسكندرية وعين شمس» إلى جانب أسيوط التى كانت لا زالت تعانى من عثرات النمو، وفى العلوم تخرج أحمد زويل وبالأدب زاهى حواس وتهانى حلاوة وأصبحوا نجومًا في البناء الحضاري، وكان من حظ كمال قنديل أن يلتحق مبكرًا بالمدرسة الروسية حيث فتحت أبوابها وخزائن أسرارها العلمية فقد لعب الدور الرئيسى في بناء القدرة على تجاوز آثار العدوان لتعيد مصر صياغة رسالتها وتشع بالأمل ضرورات التقدم.
وإذا كانت الصحف ووسائل الإعلام قد وصفت القمة الروسية الأفريقية بأنها تنعقد لأول مرة في التاريخ بهذا الحجم على المستوى الاستراتيجى وتأكيد مفهوم التوازن ومع احترامى بأننى أقول من خلال رصدى للمرحلة وما لعبته مصر وأفريقيا من أدوار فعالة تمثل نقط تحول، فقد كانت القاهرة وموسكو أولى نقاط الالتقاء التى رسخت الطبيعة النقية وما جعل العلاقات تسرى بالقلوب والوجدان القومى والفكري، لذلك فإن الدفء المتجدد في النفوس أنشأ معادلة كيميائية في العلاقات ليجعله دفئا دون الحاجة إلى مدفأة.
كانت البداية للمواقف المعلنة من عبد الناصر شجعت الاتحاد السوفيتى أن يدخل (بوغاز) المياة الدافئة رغم المحاولات المستميتة من الولايات المتحدة لعرقلة المرحلة واستقبال خروشوف بميناء الإسكندرية ليعلن صفحة جديدة بتاريخ البلدين، وبدأت العلاقات مع الكرملين عاطفية ثم دافئة ثم ساخنة وتجاوزت مرحلة الحوارات لمرحلة التعاون الفعال لبناء جسور اتصال على سطح العلاقات الدولية وبدأ الفكر الاشتراكى يدب بأرجاء الجسد الأفريقي، فمشهد السد العالى الذى أول من طرح فكرته يونانى اسمه دانينوس وصديق لعبدالناصر وقد أنفق كل أمواله في هذه الدراسات وعرض الأمر على وزارة الأشغال الذين اقنتعوا مبدئيًا بالفكرة، ثم تحول الأمر لملف حينما عرضت الولايات المتحدة تمويل المشروع مقابل شروط سياسية ولكن عبدالناصر رفض بعد معارك وصلت لأبواب البيت الأبيض وعمق البنتاجون.
إن التاريخ الوطنى لدول أفريقيا سوف يعتبر ملحمة السد العالى هى آلة التنمية الصادقة للمسيرة الصحيحة، ومياه النيل ليست مجرد نهر تاريخى لكن صفحة مضيئة وإسهام صادق من الاتحاد السوفيتى الذى قدم كل ما يملك من عطاء لهذه القارة، فقد طرح ثقافة جديدة ولم يطرح الثقافة (المكادونالدية).
وبالمناسبة نقول للأخوة بإثيوبيا إن درس السد العالى ونزاهة التعاون المتطهر هى فلسفة تحمى ولا تهدد.. تصون ولا تبدد.. فإن سد النهضة يجب أن يتعلم الدرس من دروس إنشائه، فإنه تلميذ لمبادئ السد العالى وقيمه ومعانيه وعظمته.
إن مصر مدرسة الهندسة المائية في مقدمتهم حسين سرى باشا وعثمان محرم وإبراهيم ذكى قناوى وآخرون.. إن مصر حددت المسئوليات الصادقة بكل أمانة وتحققت فلسفة التوازن الاستراتيجى الآمن لكل أبناء النهر بل وجميع مناطقها بداية من جمال ينبع إلى المصب.
قمة روسيا أفريقيا التى استضافها منتجع سوتشى بمشاركة الرئيس الروسى بوتين والرئيس السيسي وحضور 40 دولة أفريقية حيث تكتسب أهمية خاصة حال كونها أول قمة بالتاريخ المعاصر وتولى اهتمامًا بالغًا بتفعيل التبادل التجارى والاقتصادى والعسكرى مع دول القارة والتى تمثل 3% من الناتج الإجمالى العالمى 7 مليارات و200 مليون نسمه وتسعى روسيا لإيجاد موطئ قدم لها بأفريقيا، فقد سبق القمة المنتدى الاقتصادى فروسيا تمثل لاعبًا أساسيًا في الوقت الراهن ومصر تعتبر ركيزة أساسية للأمن والاستقرار بالمنطقة.
تأتى القمة في خضم ظروف جيو إستراتيجية بالغة الصعوبة في ظل تصاعد وتيرة العنف وبؤر الصراع بدول القارة السمراء فتجىء القمة السابعة بين الرئيس الروسى والمصرى لبحث سبل تطوير أطر التعاون الثنائى بين البلدين ومشروع إقامة المنطقة الصناعية الروسية بشرق السويس وتنفيذ مشروع الضبعة النووية للتطبيقات السلمية لتوليد الكهرباء التى تحتوى على أربعة مفاعلات بمعدل إنتاج 4800 ميجاوات فهى الجيل الثالث الأعلى أمانًا بالعالم بتكلفة 25 مليار دولار وتأهيل 2000 مصرى للعمل بها والتى ستوفر كهرباء رخيصة لمدة 60 عاما قادمة وتوفر 10 آلاف فرصة عمل مدربة بروسيا حيث توفر الحكومة الروسية منحًا دراسية لإتقان التخصصات النووية وإنشاء مدرسة الضبعة الثانوية المتقدمة واستئناف الرحلات الروسية للمطارات لزيارة المقاصد السياحية وتصنيع روسيا ضمن التحالف الروسى المصرى المجرى 1300 عربة قطارات وهى الأضخم بتاريخ السكك الحديدية بتكلفة مليار و200 يورو، وتسعى روسيا للاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية التى دخلت حيز التنفيذ بمايو 2019م.. فهى ملحمة نضال أعادت للعالم كله توازنه الصادق.
إن قمة روسيا/أفريقيا خلقت مرحلة جديدة من الشراكة السياسية والتاريخية ويجب أن تسودها من جانب الآخرين الذين يقسمون بأغلظ الإيمان أن تكون رائدهم هى الاستقامة الإستراتيجية، إن مصر بأصعب الظروف السياسية لن تشير لاستخدام أى سلاح أو أى أوراق سوى التفاوض والجلوس على المائدة المستديرة، فهذه هى فلسفة التعامل المصرى بقضية مياة النيل بمصر، فالمسألة ليست سدودا لكنها قضية وجود لأن النيل هو نهر الخلود فليست قضية تفسيرات أو تنابذ بالعنف أو مفاهيم أحادية لكنها مسئولية حضارية.
مصر فتحت أبوابها على مصراعيها بحكم مسئولياتها عن النهر لتؤكد أنها ترسى بكل الجهد مسئولية الإنسانية من ناحية النهر وإن مياه هذا الكنز الإلهى تؤكد مبدأ حق التدفق للمياه بدول حوض النيل فإنها ليست خاضعة لحل تم إيداعه بخزانة أى وزارة خارجية دول، ومصر طوال عمرها قدمت أفكارها لهذا النهر وتعمل بالنور ولا تلعب بالنار أو في الظلام، ولقاء روسيا هو لقاء حميم يستظل به الدفء المتبادل في العلاقات فهو دفء بلا مدفأة.. ومدفأة بدون نيران.