الماء هو سر البقاء.. وهو كل الحياة.. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم.. «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا.. وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.. أَفَلَا يُؤْمِنُونَ».. وقال تعالى «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ».. وقال تعالى.. «أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا».. وقد ذكر الله تعالى الماء في كتابه العزيز ثلاثًا وستين مرة.. وهو من أعظم النعم التى منحها الله للبشر.. لتستمر حياتهم.
ولا يستطيع الإنسان ولا الحيوان ولا النبات أن يحيا وينمو.. إلا بالماء.. ولذلك فإن التجمعات البشرية منذ الأزل.. كانت حول الماء.. سواء كان أنهارا أو عيونا وآبارا في الصحراء.. وقد قامت جميع الحضارات القديمة على ضفاف الأنهار كالحضارة الفرعونية على ضفاف النيل.. وحضارات العراق الكبرى.. السومرية والأشورية والبابلية.. كانت على ضفاف دجلة والفرات.
وقد قال المؤرخ اليونانى هيرودوتس عندما زار مصر قبل الميلاد بمئات السنين.. إن مصر هبة النيل.. والحقيقة أن النيل ومصر هبة من الله.. والنيل سبب من أسباب استقرار الإنسان في تلك البقعة التى تتوسط العالم القديم.. وإنشاؤه لأعرق حضارة عرفها التاريخ وهى الحضارة الفرعونية.. ولقد ظل النيل يجرى منذ أن شق طريقه من المنابع إلى المصب.. وسيظل يجرى إلى أن يشاء الله وليس كما يشاء البشر.
والنيل هو شريان الحياة بالنسبة لمصر.. فهو يمثل أكثر من ٩٥ % من الماء العذب المستخدم في الشرب والزرع والبناء والتنمية.. وكلما زاد عدد السكان وزادت حركة التنمية والتوسع في المساحات المزروعة.. زاد احتياج مصر لكميات أكبر من مياه النيل.. ومع ذلك نجد أنفسنا أمام تحد صعب.. وهو قيام إثيوبيا بحجز مياه النيل بسد أقامته بالقرب من الحدود السودانية.. والقيام بملئه لاستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية والتنمية.. ونحن لسنا ضد تنمية إثيوبيا.. وإنما ضد أن تضر غيرها.. أى لا ضرر ولا ضرار.. فمن حق إثيوبيا أن تنمى نفسها.. وليس من حقها أن تضر غيرها.. خاصة إذا كان هذا الغير له حقوق تاريخية ثابتة.
ومصر ليست في حاجة إلى إثبات حقها في مياه النيل.. ولها أن تدافع عن هذا الحق إذا كان هو مصدر حياتها ونمائها.. ولا بد أن تتبع مصر سياسة النفس الطويل قبل أن تصل إلى الخيار الأخير وهو الخيار العسكري.. والذى لا نتمنى أن نصل اليه.
ولا بد أن نعترف أننا كنا سببا لما جرى لعدة أسباب.. أولها انشغالنا بالموجة الثورية التى هبت على المنطقة وأصابت بلادنا.. واستغلت إثيوبيا بدعم من خصومنا.. ما يحدث في بلادنا.. في الإسراع ببناء السد.. وزاد الأمور تعقيدا.. المعاجة الخاطئة والتصرفات والتصريحات والمناوشات الإعلامية التى أثارت الشعب الإثيوبى ضدنا.
وعندما أفقنا.. كان سد النهضة واقعا لا يمكن إنكاره.. وكان لزاما علينا أن ندافع عن حقوقنا التاريخية في مياه النيل بكل الطرق.. وقطعنا شوطا طويلا من المفاوضات التى كانت تتعثر دائما أمام تعنت الجانب الإثيوبي.. وزاد الطين بلة.. التناول الخاطئ للمشكلة في وسائل الإعلام.. وتدخل كل من هب ودب في الأمر.. والتلويح باستخدام القوة في حالة فشل المفاوضات السلمية.
وأنا أرى أن يكف الإعلام عن منهج الاستفزاز.. وإذا تم تناول الموضوع.. أن يتم تناوله بمهنية وموضوعية بعيدا عن التهديد والوعيد.. ومن الأفضل أن يترك الموضوع للمختصين والقنوات الدبلوماسية والسياسية والدولية.. وإن كنت أشك في القنوات الدولية.. التى لن تكون محايدة.. رغم حقنا القانونى والتاريخى في مياه النيل.. كما أن هذا الموضوع هو إحدى الوسائل التى تستخدمه قوى الضغط ضدنا.
إن مسألة المياه.. مسألة حياة أو موت.. وحقنا فيها ثابت في المواثيق والأعراف الدولية.. وسنحصل عليه سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو من خلال أية قنوات أخرى يتطلبها الأمر.. وإن كنت أفضل القنوات الدبلوماسية في حل المشكلة.. وعلينا أن نتعامل على أن إثيوبيا شعب شقيق.. من حقه أن يسعى للتنمية والنهضة.. ومن حقنا أن نحافظ على حياتنا وسر بقائها.. وبهذه الطريقة سنصل إلى حل يرضى جميع الأطراف.
والى أن يتم حل المشكلة.. أتمنى أن نغير في سلوكياتنا في استخدام المياه المتاحة لنا.. حتى نكون مستعدين لأى احتمالات في انخفاض منسوب النيل وقلة الكميات الواصلة إلينا.. فنحن نتعامل مع الماء.. على أنه لن ينتهى أو ينضب.. وعلينا أن ندرك أننا في خطر ولا بد من ترشيد استخدام الماء.. لنعبر هذه الأزمة في سلام.