إن ما حدث فى بلادنا خلال الأيام الماضية من مشكلات بسبب المتغيرات المناخية وما شاهدناه من سيول غزيرة وأمطار وما نجم عنها من خسائر عامة وخاصة.. يجعلنا ندق جرس الإنذار للاستماع بجدية والتنفيذ والعمل الجاد من أجل مستقبل بلادنا.
ومن هنا انتعشت ذاكرتى وتذكرت علاقاتى غير المباشرة بمعهد التخطيط القومى من خلال د. إسماعيل صبرى عبد الله، د. على نصار. ود. عثمان محمد عثمان، حين كان يجمعنى بتلك القامات الكبيرة حزب التجمع التقدمى الوحدوى بقيادة الزعيم خالد محيى الدين. حينها كنا ننهل من هؤلاء العلماء والخبرات من خلال ما يعرف بمدارس الكادر لشباب الحزب، وكنا نطلع على مطبوعات وإصدارات معهد التخطيط القومى فى قضايا التعليم.. الصناعة.. التجارة وغيرها من الكتب والأبحاث المهمة.. وما زلت أحتفظ ببعض تلك الكراسات.. كما كنت أقرأ مقالات د. إسماعيل صبرى «ألفاظ ومعاني» التي حولها إلى كتاب.. تلك فترة ثرية لقيادات معهد التخطيط القومى التى لم تكن تربطنى بى اى علاقة مباشرة.
ثم جاءت الفرصة سانحة ومباشرة بعلاقتى بمعهد التخطيط القومى حين أعلن عن دورات تدريبية حول موضوعات «اللامركزية» بالتعاون مع مجلس النواب «أمانة التدريب»، وقد حرصت بالحضور على ٣ دورات، وحصلت على شهادات تقدير غالية من الفاضل د. علاء زهران رئيس المعهد الحالي.
وقد نهلت علوم ومعارف جديدة من أساتذة وخبراء أجلاء حول اللامركزية، والتى هى موضوع اهتمامى الخاص من أجل تطوير المحليات فى بلادنا ولى فيها أبحاث وكتب ودراسات قبل عضوتى بلجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب.
وكانت تلك الدورات الباب الرئيسى لمعرفتى واندهاشى الأكبر بدور معهد التخطيط القومى هذا الصرح العلمى والتخطيطى الهائل ولا أبالغ أن قولت إنه بيت الخبرة الوطنى الحقيقي.
لقد أنشئ معهد التخطيط القومى فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر بموجب القانون ٢٣١ لسنة ١٩٦٠ باعتباره مؤسسة لها الشخصية الاعتبارية المستقلة من أجل تعزيز منهج وفكر التخطيط العلمى فى مصر وذلك لتحقيق:
• دعم دور مهام وزارة التخطيط.
• نشر الفكر العلمى فى مصر من خلال الأنشطة البحثية والتدريب والتعليم.
• نشر الفكر والعمل التخطيطي فى المجتمع المصري.
ولأهمية المعهد أدخلت تشريعات وتعديلات جديدة مرتين على القانون الخاص بالمعهد؛ حيث صدر القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٢ والقانون ٣١ لسنة ٢٠١٥، وتستهدف فلسفة تشريعات معهد التخطيط بأهمية النهوض بالبحوث والدراسات المتعلقة بإعداد الخطط التنموية الشاملة للدولة ووسائل تنفيذها ودراسة الأسس والأساليب العلمية، فضلا عن تزويد القائمين بالعملية التخطيطية على كافة المستويات من صانعى السياسات ومتخذى القرار بالرؤى والبدائل الاستراتيجية، ويضاف إلى ذلك نشر الوعى والمعرفة بقضايا التخطيط والتنمية وأسسها العلمية والتطبيقية.
وغنى عن البيان أن هذا المعهد قد قدم الخطة الخمسية الأولى الناجحة فترة الستينيات؛ حيث النهوض بالزراعة والصناعة والتجارة والثقافة والتعليم، والتى كانت لها أثر مباشر على المواطنين، ويكفى الإشارة إلى الأب المؤسس لهذا المعهد وأول رئيس له د. إبراهيم حلمى عبد الرحمن، هذا العملاق المصرى صاحب الأفكار الخلاقة من أجل الرؤى التخطيطية، ويكفى أنه صاحب الفضل فى أن يكون فى بلادنا فكر مدن جديدة ومستقبل عمران أوسع.
وقد مر عمالقة لا بد الإشارة إليهم ممن قادوا المعهد، الأساتذة «محمود الشافعى - سيد جاب الله - محمود الإمام - أحمد المرشدي.. كذلك إسماعيل صبرى عبد الله - كمال الجنزوري.. وكلًا من محمد منجى ورجاء عبد الرسول.. يليهم الأساتذة عثمان محمد عثمان - محمود عبد الحى وعبد القادر دياب.. وثلاثة من نساء مصر الفضليات هن علا الحكيم - نادية عبد السلام - وعزة الفنجرى».. يضاف لهم الدكتور عبد الحميد القصاص، وهم جميعا قامات وطنية فى التخطيط.
ومن هنا خرجت الدراسات والكتب والأبحاث الجادة والرؤى العلمية والتخطيط، ويكفى أن نشير إلى أن معهد التخطيط القومى قدم الكثير من الأساتذة والخبراء والعلماء الذين يعملون فى صمت بعيدا عن النجومية والمظهرية فى حب وتقدير حقيقى لهذا الوطن، وفى بساطة جميلة تحسب لهم تقديرا واحتراما.
وبعد، إنه باقتراب العيد رقم ٦٠ على إنشاء هذا المعهد فى بلادنا أقول وأطالب:
• آن الأوان أن يتم تطوير التشريعات الحالية لهذا المعهد لتلبى المتغيرات الواقعية، ومن أجل دور أفضل للمعهد، خصوصا مع الثورة العلمية التكنولوجية التى تتعاظم بإمكانيات هائلة بنهر المعلومات الجارى وبشكل متصارع.
• وفى ظل المتغيرات الدولية وما نشاهده من الصراعات المحتدمة حولنا بسبب السيطرة على الاقتصاد العالمى، وفى وقت نشاهد من حولنا تحديات مستقبلية خطيرة.
• أن التغيرات المناخية حولنا وما يشهده الوطن من أمطار وسيول غيره، فضلا عن مخاطر الأمواج ونحر الشواطئ والسواحل وتحديات تواجه المدن الساحلية فى بلادنا لها ارتباط بالزراعة والصناعة وقضايا التنمية، وما يواجهنا من تحديات كبيرة تواجه بلادنا داخليًا وخارجيًا.
وقد آن الأوان لأهمية الاستفادة من خبراء معهد التخطيط القومى، وخلق جيل جديد بالتعاون مع جيل الكبار والوسط من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة التى أقرتها مصر من خلال رؤية برنامج الأمم المتحدة ورؤيتنا الوطنية ٢٠٣٠؛ فإنه من الأهمية بأن نعطى معهد التخطيط القومى كل الإمكانيات التشريعية والمادية وتحسين ميزانياته ومزيد من الارتقاء به.
إن الاستعداد للاحتفال بالعيد الـ ٦٠ لمعهد التخطيط القومى العام القادم، فرصة ذهبية إلى أن يتحول إلى برنامج لخطط ورؤى مستقبلية راجين ألا يتحول الاحتفال إلى مناسبة احتفالية أو تكريمية فقط، ولكن بداية للانطلاق نحو مزيد من الفهم والتطوير من أجل خطط واقعية قابلة للتنفيذ والمتابعة بخطط زمنية من أجل الارتقاء ببلادنا التى نريدها الأفضل بإذن الله.