من حق الشعب المصرى أن يعلن عن غضبه الكامل ورفضه التصريح الغشوم الذى أطلقه رئيس وزراء إثيوبيا.. التصريح الذى تراجع عنه في سوتشى وقال فيما يشبه الاعتذار كلاما مراوغا… الرئيس عبدالفتاح السيسي كرجل دولة من حقه قبول تفسير الإثيوبى آبى أحمد.. والشعب المصرى أيضا من حقه أن يرفض ما يشبه الاعتذار ومواصلة غضبه ضد النظام الإثيوبى، الذى اعتقد في لحظة سائلة أن نهر النيل يمكن التلاعب به.
الغضب المشروع حق ضد ما يهدد وجود هذا البلد وليس أقل من نهر النيل سببا لاستمرار وجودنا كحضارة وشعب علم الدنيا وحسبما تعلمنا من آبائنا الأوائل «كان نهار الدنيا مطلعشي.. وعندنا النهار».. هكذا قال فؤاد حداد وهكذا أقول أنا بكل ثقة فليس معنى حسن الجوار والتعايش والسلام أن يتم تهديدنا مرتين الأولى بالمراوغة الإثيوبية في الاتفاقات الفنية حول سد النهضة والثانية بتصريح واضح أطلقه الحاصل على نوبل للسلام بأنه قادر على حشد مليون إثيوبى في مواجهة أى دولة أفريقية.
استمعت للتصريح أكثر من مرة وحاولت أن أجد لصاحب نوبل مهربا من خطورة كلماته لم أجد ذلك المهرب.. حاولت الصمت لثقتى في القيادة السياسية التى تدير ذلك الملف الصعب ولم أستطع.. تابعت بيان الخارجية المصرية ولم تبل كلمات البيان ريقي.. فالأمر جد خطير.. لذلك لا يمكن أن نصدق رئيس الوزراء الإثيوبى عندما يقول بأن الإعلام هو سبب الأزمة بين البلدين.. الرد واضح ومعروف وأسباب الأزمة واضحة ومعروفة.. إثيوبيا الجارة الأفريقية وشعبها نضعهم في منزلة عالية أما النظام الإثيوبى، الذى لا يرى إلا تحت قدميه فمن حقنا انتقاده وإلزامه بما تقره القوانين الدولية والمواثيق والاتفاقيات.
أعرف جيدا عمق الأزمة وهروب النظام الإثيوبى من تحديد جدول زمنى واضح لملء السد وأعرف أنهم يلعبون لعبة فرض الأمر الواقع وأن الصبر الذى تتحلى به الحكومة المصرية هو صبر مرير يمكن لها كحكومة مسئولة وملتزمة أن تتجرع تلك المرارة وكان الله في عونها.. أما الشعب المصرى فأعتقد أن من واجبه رفض تلك المرارة وإعلان رأيه ليس من باب التناقض مع ما ستذهب إليه حكومتنا، ولكن من باب واضح ومشهور في مثل تلك الحالات التفاوضية، وهو أن المعارض يشد من عزم المفاوض.. فلا يجب أن تذهب وفودنا الحكومية وحدها للتفاهم حول مستقبل نهر النيل ولكن عليها أن تذهب وهى مدعومة من مائة مليون مصرى يحملون الألم والأمل في مستقبل هادئ مستقر.
أما عن اتهام الإعلام الذى ارتكن إليه صاحب نوبل فنستطيع أن نقول له.. ما كان الشعب الإثيوبى أبدا خصما لنا وما كنا أبدا من معوقات التنمية في بلادكم.. فالجار المستقر يدفع الاستقرار إلى جيرانه لذلك فإن مصلحتنا تتوافق مع مصالح الشعب الإثيوبى بل وندعم طموحه وآماله.. وعلى أنظمة الدول أن تتفهم تلك الشفرة السرية، فعندما حاول البعض تعكير الأجواء في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس مبارك على الأراضى الإثيوبية كان الرد من القاهرة بأن مباراة كرة قدم بين منتخبى البلدين قادرة على إزالة التوتر.
لسنا بصدد التذكير بالدور المصرى المحورى والتاريخى في عمق أفريقيا والدعم اللامحدود لتحرير الدول الأفريقية من الاستعمار برعاية مصر الناصرية وارجعوا إلى دور سعد الدين الشاذلى وحكاية مصر في الكونغو وباتريس لومومبا.. قمنا بما هو واجب علينا.. لذلك يأتى التعجب عندما يرى المواطن المصرى مصيره وهو معلق في سد شريان الحياة.
الثقة كاملة ومطلقة في الحكومة المصرية وقدرتها على غلق هذا الملف بدون خسائر وبدون حشد مليون مواطن كما تلاعب بنا صاحب نوبل في تصريحه.. وقد نحتاج وقتها لمباراة كرة قدم بين منتخبى البلدين لإزالة آثار عدوان التصريحات غير المسئولة.