من المؤكد أن الشخص التابع لآخر أو لآخرين لا يمكنه أن يأخذ قراراته الشخصية بشكل يُعتمد عليه بنسبة مائة فى المائة، فهو يخضع لضغوط وتدخلات الآخرين فى حياته بشكل يزعجه ومع الوقت قد يهمش من دوره فى الحياة، وهذا ما يحدث للنساء فى بعض قطاعات مجتمعنا، فمنذ أن تتعلم الكلام يبدأون فى ترسيخ فكرة تبعيتها، وأنها غير قادرة على تحمل مسئولية إلا تبعًا لشخص يحميها أو يعلمها، مع أن الإنسان سواء كان رجلًا أو امرأة خلق مزودًا بكل مقومات الاستقلال؛ لذا يصبح بعدالة مستحقًا للحساب إن أخطأ، وهو أمر لا تسلم منه المرأة، بل إنها أحيانًا تتحمل عقوبتها وعقوبة من تتبعه ظلمًا.
ومن الممكن تعديل النظر للمنظومة الاجتماعية الحالية، لتشعر المرأة بقوتها وإمكانية استقلالها وتأخذ قراراتها الشخصية وتطبقها قدر طموحها. يحدث هذا حين تصبح حاجة المرأة للآخر أقل؛ لأن الحاجة ضعف كبير، متى ما انعدمت تضخمت قوى الإنسان، بل إن هذه القوة قد لا تكون قوة مرئية فى الأساس تحت ضوء الحاجة الشاحب الذى يغمرها بالضعف، ويخفيها فى ظله الكثيف الثقيل. حينها فقط يستطعن أن يقلن لا لما لا يرغبن به، ونعم لما يردنه فى ثقة وقوة. حينها فقط يستطعن أن يحيين الحياة اللاتى يمكنهن أن يصممنها وفقًا لحبهن للحياة فى كل منحى من مناحيها، فهن سيأكلن دون الحاجة لمن يطعمهن، ويسكن دون مد اليد لمن يؤويهن، ويثبتن ذواتهن دون الحاجة للبقاء مع من ذاته قوية حتى يستمدن قوة الذات منه.
فى لقاء لى من زميلى الدكتور وسام عمر بكلية التربية الرياضية، أخبرنى أن هناك صفوفًا بسيطة يمكن تدريسها مجزأة فى المدارس والجامعات، تمكن المرأة من التمتع بقدرة بدنية تدافع بها عن نفسها ضد أى هجوم دون أن تحولها لمقاتلة شرسة، وأظن أن تطبيق تدريس هذه الصفوف فى المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية بشكل إلزامى سيكفل للنساء التمتع بقوة بدنية تشعرهن بالقوة والاستقلال فى جانب مهم من حياتهن وهو الجانب الجسدى فى مراحل تكون أجسادهن وشخصياتهن الأنثوية. حين يصبح تدريس هذه الصفوف إجباريًا سنكسب أنثى قوية لكنها ليست عنيفة، وهى أيضًا صفوف تجعل المرأة أكثر قدرة على توجيه رد فعل سريع لكل المواقف فى حياتها، وأكثر لياقة من حيث استخدام جسدها، وأكثر ثقة بنفسها حين يقل خوفها من توابع تعرضها لمضايقات مزعجة. والأمر حقًا لا يكلف شيئًا، فالمدرسون موجودون ولديهم الخبرة فى تدريس هذه المقررات، والفتيات متواجدات فى الصفوف ولن يحتجن لتسجيل جديد أو الانتقال لصفوف جديدة بنفقات جديدة مختلفة.
كما يمكن أن تنظم وزارة الشئون الاجتماعية إنشاء صناديق لدفع نسبة تصل إلى ٥٠٪ من إيجار الشقق التى تسكن بها زوجات تعانين سطو أزواجهن على أموالهن أثناء الزواج وبعد الطلاق، فكم من العلاقات الزوجية تستمر فقط لمجرد أن الزوجة لا تعرف أين تذهب! لن ينسى أحد كلمات غادة السمان: «لن يشعر أحد بالأمان طالما هناك امرأة فى بيت تعض على خشب النافذة بأسنانها بشدة حتى لا يسمع أحد صراخها». فالكثير من النساء لا يجدن جهة إيواء لذا لا يملكن القوة للخروج من معاقل ألم لهن. يجب أن يصل لهن كل ما تدبره الدولة من تدابير الحياة الكريمة للمرأة التى لا تجد من يعولها حتى لا يظل عائلها سجانها.
ويرسم بعض الكتاب صورة للمرأة تُظهر أن قوتها تنحصر فى جمالها الأنثوى أو فى ضعفها وهو أمر خاطئ؛ لأن من تستخدم عقلها وقوتها فى عمل أو مال تعلم كيف تكون الأسعد، لذا يجب أن تصف الأقلام هذا الواقع. ما لا يعلمه هؤلاء أن النساء لا يكن سعيدات بذلك، فهن لسن جواري، ولديهن جمال خلف الجمال، عقول جميلة، وأعمال راقية، وفنون مبهرة وثقافات مبدعة. فمن العار أن نجد فى القرن الحادى والعشرين من لا يزالون يتهمون المرأة بالخروج عن الأدب لمجرد أنها كاتبة يمر بخيالها أمور عبرت عنها، وهى أمور لا يجب أن تخرج عن باب بيتها أو ربما غرفتها!
كما يجب تنظيم صفوف توعية تربوية إجبارية للحوامل والأمهات الحديثات فى القرى والنجوع مع طبيبة، فقد ثبت أن الدكتورة تؤثر فى النساء قليلات الوعى إذا ما اجتمعت بهن دوريًا فى غياب رجل. يتناسب ذلك مع بساطة التفكير القروى والبدوي، وقوة الرغبة فى حياة أفضل لدى المرأة فى تلك البيئات.
وهناك الكثير مما يمكن ذكره، فهذا الوطن يسعد بسعادة أبنائه المستقلين العاملين على أن تكون الحياة أجمل، والاستقلال لا يعنى الانفصال عن الحياة ولا عن أفرادها، ولكنه يعنى أن تفكر وتعمل وتعيش بإرادتك دون تبعية؛ لأنك ستحاسب على قراراتك، علينا ألا ننسى أن الوطن السعيد هو مجموع الحيوات السعيدة لمواطنيه، فلتكن المرأة المصرية قوية مستقلة، فلتكن سعيدة، فلتكن مصر سعيدة.