في بحثنا عن كيفية تحول مصر من مجرد ولاية عثمانية تابعة وبائسة إلى دولة وطنية حديثة قوية وعصرية رصدنا عدة روافد اعتبرناها أساس الإفاقة والتحول، وتلك النهضة والنقلة الكبرى من مجرد ولاية عثمانلية متخلفة مريضة إلى دولة كبرى لها جيش ضخم وأسطول ضخم وقوة إقليمية يحسب لها ألف حساب وهى الأقوى من الدولة العثمانية نفسها ولقد حاولنا حصر الروافد التى غذت ذلك التحول العظيم فوجدنا:
• الرافد الأول: تلك «الرضة» الحضارية التى أحدثتها الحملة الفرنسية ١٧٩٨ للمصريين عندما رأوا التفوق العسكرى والعلمى المذهل للفرنسيين في مواجهة التخلف المذرى للمماليك والعثمانيين (مدافع وعربات حربية وأسلحة حديثة تطلق رصاصات وقذائف في مقابل سيوف وخيول المماليك والعثمانيين) وكيمياء ومعامل وبحث علمى وتجارب قال عنها الشيخ الجبرتى (إن ما أراه عندهم لا تسعه عقول أمثالنا وجنودهم بشر ولكن مختلفون).
• الرافد الثاني: نجاح المصريين في اختراق حاجز السلطة لأول مرة تاريخيًا واختيار من يحكمهم والتعاقد معه في دار المحكمة في ١٧ مايو ١٨٠٥ وفرضه على السلطان العثمانى ورضوخ السلطان على مضض وإصدار فرمان التولية له نزولا على إرادة المصريين.
• الرافد الثالث: إلغاء محمد على نظام الالتزام على الفلاح عام ١٨١٤ وفرض الضرائب على وساياهم، ودخوله إلى شراكة مباشرة مع الفلاح.
• الرافد الرابع: هو دخول المصريين الجيش لأول مرة منذ نهاية العصر الفرعونى في العام ١٨٢٣. وإنشاء المصانع الحربية والأسطول البحرى.
• الرافد الخامس: إرسال محمد على البعثات وإنشاء المدارس الابتدائية والتجهيزية والعالية وإنشاء المطبعة والاهتمام الشديد بالترجمة.
• الرافد السادس: اللائحة السعيدية نسبة إلى سعيد بن محمد على باشا والتى تملك المصريين بموجبها الأرض لأول مرة 15/8/1858م فظهرت طبقة الملاك والأعيان التى وفرت العنصر الاجتماعي لصناعة المكانة وخرج من رحمها العمل الوطنى والحركة الوطنية حسب د. يونان لبيب.
• أما الرافد السابع: اهتمام حفيد محمد على باشا (الخديوي) إسماعيل بالتعليم المدنى الذى كان سببًا في نشأة ثقافة مدنية وظهور فئة جديدة سماها الأجانب أصحاب الطرابيش وسماها المصريون (الأفندية) في مقابل أصحاب العمائم أرباب التعليم الدينى.
• أما الرواد الذين وضعوا الأساس لتحول مصر وبناء الدولة الوطنية الحديثة فيها فكان أولهم طبعا:
• شيخ الأزهر حسن العطار 1766- 1835م أول من أدرك ضرورة تغيير مصر وقال إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس بها وهو الذى خطط وأشار على محمد على باشا إرسال تلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوى إلى باريس بحجة أنه سيكون إمامًا للمبعوثين في الصلاة لكنه أوصاه أن يسجل كل ما يراه هناك وأن ينقل لنا كل أسباب التقدم عندهم.
• الشيخ رفاعة الطهطاوى 1801-1873 م أول من أدرك أن العدل والمساواة يتحقق بالقانون الوضعى وكتب لأول مره عن الدستور والمواطنة وتعليم البنات بعد عودته من البعثة الباريسية (١٨٢٦ / ١٨٣١) في (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) و(مباهج الألباب) و(المرشد الأمين للبنات والبنين) وهو قائد حركة الترجمة ومؤسس الألسن وأحد رواد التعليم المدنى ورائد التحديث.
• على باشا مبارك 1823- 1893م رفيق الخديو إسماعيل حفيد محمد على في البعثة الباريسية وأول من أرسى دعائم التعليم المدنى وأول وزير من المصريين أنشأ دار الكتب ومدرسة دار العلوم ومجلة روضة المدارس ولائحة الكتاتيب والقانون الأساسى للتعليم العام.
• محمد شريف باشا 1826-1887م ابن قاضى القضاة تبناه وعلمه محمد على وابتعثه وهو مؤسس النظام الدستورى في مصر ومؤسس المحاكم الأهلية وواضع لائحتها ووضع أركان النظام القضائى الحالى وأعد مشروع أول دستور عام 1879 والذى أقر في ١٨٨٢ وأسس المحاكم 1881 ورئيس مجلس الوزراء أربع مرات وأحد عقلاء الحركة الوطنية الكبار.
• الأفغانى 1839-1897 م أول من حاول استنهاض المصريين وذكرهم بمجد أجدادهم وحضاراتهم وسبقهم للبشرية جمع بين ضرورة إصلاح العقيدة واستنهاض المصريين ومقاومة الاحتلال وشرفت مصر به 8 سنوات 1871-1879 بذر فيه بذور الثورة، وأزال الزبد فسرعان ما جرت الماء وأنبتت الأرض وآتت أكلها، يعتبر هو رائد المشاركة السياسية والمجتمعية.
• الشامى أديب إسحاق تلميذ الأفغانى وشريف لسان الدعوة إلى الحكم النيابى والديمقراطية واعتبره المدخل الوحيد للإصلاح عاش يهاجم الاستبداد ويبشر بالحرية ويكتب عن الثورة الفرنسية.
• عبدالله النديم 1845-1896 مجدد الإصلاح بمسارين (تنمية القومية المصرية) و(تنمية الفكرة النيابية) واعتبر المدرسة أول مؤسسة لتعليم الوطنية.
• الشامى عبدالرحمن الكواكبى 1848-1902 م أول من تحدث عن طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد وأكد أنه الداء الدفين ونقد أحوال الناس في الشرق وكتب طبائع الاستبداد وأم القرى وربط بين (الاستبداد والرذيلة).
• الإمام محمد عبده 1849-1905م مفتى الديار ورائد إصلاح الفكر الدينى والتجديد وإصلاح الأزهر.
• القاضى قاسم أمين 1863-1908م قال: إن الحرية والتعليم يفضيان إلى التقدم وأن التربية وسيلة النهضة ربط بين الإصلاح الاجتماعي والاستقلال
ألف تحرير المرأة، المرأة الجديدة.
• العرابيون رغم النتيجة المخيبة لثورتهم فهم أول من قالوا مصر للمصريين بعد احتلال دام 2223 سنة منذ الدخول الثانى للاحتلال الفارسى 341 ق. م.
• مؤسسو حزب الأمة 1907 محمود باشا سليمان، حسن باشا عبدالرازق، على شعراوى باشا، أحمد باشا لطفى السيد أول من نادوا بالاستقلال (التام) ورفضوا مصر (ولاية عثمانية) أو (مستعمرة إنجليزية).
• فتحى زغلول باشا رائد ترجمة كتب الحرية، حرية مصر، حرية المصريين لبنى وطنه.
• أحمد لطفى السيد 1872-1947م رائد القومية المصرية لقب بأستاذ الجيل أول من نادى باتباع سياسة المنافع وترك سياسة العواطف وكان يقصد تغليب المصلحة القومية على أى مصلحة، وأكد أن سياسات الدول لا تصنعها العواطف الدينية وطرح فكرة الوطن يجمعنا في مواجهة فكرة مصطفى كامل الدين يجمعنا.
• إسماعيل باشا أباظة رئيس أول وفد للمفاوضات 1908 إلى لندن وتصدى لتمديد امتياز قناة السويس، وهو نائب الشعب وعميد النواب في ذلك الوقت، أرساه زعيم الأمة سعد باشا.
• سعد زغلول 1850-1927م أول زعيم مصرى يوكله المصريون، أدرك أن حكم الفرد هو بيت الداء وأن غياب الشعب يترك فراغا هائلا يملؤه أعداء الخارج والداخل وأن سيادة الأمة هى الدواء الناجح، أدخل الشعب إلى المعادلة لأول مرة فرضخت بريطانيا العظمى وبلورت ثورة 19 ثوابت حركتنا الوطنية كالتالي:
• سيادة الأمة بوجهيها تجاه الخارج (الاستقلال) وتجاه الحاكم (الديمقراطية والدستور) فالأمة مصدر السلطات واستقلال القرار الوطنى يأتى على رأس الأولويات.
• الوحدة الوطنية بوجهيها (المساواة والمشاركة) والتى تتأسس على مبدأ المواطنة والتساوى في الحقوق والواجبات، فالوطن الذى تخدش وحدته الوطنية يتمزق نسيجه الوطنى ويتهدد وجوده.
• العدالة الاجتماعية: فالوطن الذى تهمل فيه العدالة الاجتماعية، لا تلتئم أبدًا وحدته الوطنية.