منذ تأسيسها فى يناير عام ١٩٢٢ استطاعت هيئة الإذاعة البريطانية BBC خداع الشعوب العربية بشكل خاص، والعالم الثالث بشكل عام، علمًا بأن الهدف الرئيسى من تأسيسها، خدمة أهداف بريطانيا الاستعمارية، من الهند لمصر والسودان وغيرها من الدول التى كانت ترزح تحت نير الاحتلال الإنجليزي.
وبلا أدنى شك، الـ«بى بى سى» إذاعة وتليفزيون ومواقع إلكترونية، تعمل ضد مصر، ولا تبث خبرا أو تستضيف شخصا إلا وهدفه إثارة البلبلة، فى الشارع المصرى، ودعم كل ما يثير الفوضى، والخراب والدمار ولا ننسى أنها فى يوم من الأيام تبنت حملات هجوم وتشويه الزعيم جمال عبدالناصر، الذى قاد ثورة إجلاء بريطانيا من مصر، وأعلنت العداء له، ما أجبر جمال عبد الناصر أن يقول فى إحدى خطبه المسجلة، صوتا وصورة، نصا: «لما تطلع الإذاعة أو التليفزيون البريطانى الـ«بى بى سى»، وتقول جمال عبدالناصر كلب، مثلا، نقول لهم: «أنتم ولاد ستين كلب».
هل ننسى دورها فى دعم خراب ٢٥ يناير ٢٠١١، وهل ننسى انحيازها الكامل لجماعة الإخوان الإرهابية، وخلع برقع الحياء، ليظهر وجهها القبيح، وهل ننسى ما بذلته من جهد وبشكل فاجر، وعُهر مهنى، لا مثيل له، باعتبار ثورة ٣٠ يونيو انقلابا عسكريا، لمجرد أنها أزاحت الجماعة الإرهابية من الحكم وصدارة المشهد.
وهل ننسى اختلاقهم لقصة اختفاء «زبيدة»، عندما عرضت القناة تقريرًا استضافت فيه سيدة، قالت إن ابنتها، وتدعى «زبيدة» مختفية قسريا وأنها تعرضت للاغتصاب والتعذيب على يد «عناصر أمنية مصرية»، مطالبةً السلطات بكشف مصير ابنتها وفى أى سجن تقبع.. وتبين كذب وفضيحة القصة، وأنها مجرد سيناريو من تأليف وإخراج القناة الخبيثة.
وهل ننسى الدور الذى لعبوه فى قضية مقتل الشاب الإيطالى «ريجينى» بنشر الأكاذيب والافتراءات عن تورط الأمن المصرى فى مقتله لضرب العلاقات القوية بين إيطاليا ومصر، واختلاق وقائع كاذبة من أن ريجينى تم تعذيبه فى قسم شرطة الأزبكية، ثم تم نقله إلى مقر الأمن الوطنى فى لاظوغلى، ولقى حتفه هناك، وهو كذب أشر، إذا علمنا أن ريجينى لم يدخل قسم الأزبكية من الأصل، وأن دائرة تحركاته المرصودة من خلال اتصالات هاتفه، والفيديو المصور له مع بائع صحف، كانت فى منطقة الدقى.
تعالوا نقر أمرا جوهريا، أن تليفزيون وإذاعة الـ«بى بى سى» ووكالة «رويترز» من خلال مكاتبهما فى القاهرة، يلعبان دورًا مريبًا فى نشر الشائعات التى تصب فى مصلحة جماعة الإخوان الإرهابية بشكل خاص، وباقى الجماعات المتطرفة على وجه العموم.
لفهم أسباب رفض بريطانيا تقديم ما لديها من معلومات أو بيانات عن الإرهابيين، الذين تستضيفهم أو تحركهم، نعود سنوات إلى الوراء حين انتقلت مجموعة من مسئولى المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) رفيعى المستوى، يترأسهم كوفر بلاك، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب، بعد خمسة أيام من هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، من مقرهم الرئيسى فى لانجلى بولاية فرجينيا، إلى مقر السفارة البريطانية فى واشنطن، لإطلاع مسئولين بجهاز الأمن الخارجى البريطانى (MI٦) على خطة أعدوها لحماية بلادهم من أى هجمات قادمة.
كان عدد ضحايا هجمات ١١ سبتمبر يتزايد، وأراد الرئيس الأمريكى، جورج دبليو بوش، أن يتخذ موقفًا صارمًا، فقال فى مؤتمر صحفى «هناك ملصق قديم فى الغرب يقول: مطلوب حيًا أو ميتًا». وفى ١٣ نوفمبر ٢٠٠١، أصدر بوش قرارًا يُجيز الاستخدام واسع النطاق لعمليات التسليم القسرى والتعذيب. كما أعطى قانون مكافحة الإرهاب والجريمة، الذى أصدرته بريطانيا، منتصف الشهر نفسه، سلطة احتجاز الأفراد دون محاكمة لوزير الداخلية، ومنح وكالات المخابرات، سلطة أكثر لاستهداف المشتبه بهم.
التعاون المخابراتى بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وثيق للغاية، بموجب اتفاق تبادل معلومات تم توقيعه بعد الحرب العالمية الثانية، جرى توسيعه فيما بعد ليضم كندا أستراليا ونيوزيلندا واختير له اسم «العيون الخمس»، يتم اختصاره إلى «FVEY» وأتاح هذا التعاون أقصى استفادة ممكنة من تكنولوجيا التجسس الحديثة فى الولايات المتحدة وعمليات المخابرات البشرية التقليدية البريطانية القوية. وتعد البيانات التى تجمعها مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ) ذات أهمية خاصة. ولم يقل نشاطها صدور أحكام من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإدانة ممارساتها، قال أحدها، فى ١٣ سبتمبر الماضى، إنها تنتهك خصوصية مواطنى دول الاتحاد الأوروبى.
لجهاز الأمن الخارجى البريطانى (MI٦) عدد من المقرات الضخمة داخل المملكة المتحدة، تعمل إلى جانب فروع وأذرع الدولة الأمنية الأخرى، هى الأوسع نطاقًا فى التجسس على مستوى العالم، أما المقر الرئيسى فيقع فى تقاطع فوكسهول بالعاصمة لندن، ومنذ ثمانى سنوات كشفت وثائق سربها إدوارد سنودن، أحد موظفى وكالة الأمن القومى الأمريكى السابقين، نشرتها جريدة «الإندبندنت» عن وجود محطة بريطانية ضخمة فى منطقة الشرق الأوسط تابعة لـ«GCHQ» مهمتها اعتراض الاتصالات التليفونية ورسائل البريد الإلكترونى.
بعد استجابة جريدة «الجارديان» للضغوط الحكومية وامتناعها عن نشر وثائق سنودن بزعم عدم المساس بالأمن القومى، قامت «الإندبندنت» بنشر وثائق مسربة جديدة تؤكد امتلاك الحكومة البريطانية هذه المحطة، وأن بإمكانها اعتراض كل البيانات المنقولة من خلال كابلات الإنترنت العملاقة. كما كشفت الوثائق، أيضًا، عن وجود منظومة إنذار مبكر لرصد أى تهديدات إرهابية فى أى مكان فى العالم، تعتبرها الحكومة البريطانية «عنصرًا أساسيًا فى الحرب على الإرهاب».
المهم، هو أن «بلاك» وزملاءه فى الـ«CIA» انتقلوا إلى مقر السفارة البريطانية فى واشنطن، لعرض خطتهم على نظرائهم فى الـ«MI٦» الذين كان على رأسهم مارك ألين، رئيس قسم مكافحة الإرهاب فى جهاز المخابرات البريطانى. وبعد ثلاث ساعات من الشرح، اتضح أنها ليست أكثر من تطوير لمشروع بدأته الـ«CIA» فى منتصف التسعينيات، لخطف واستجواب الجهاديين فى البوسنة عُرف باسم «برنامج التسليم الاستثنائى». وطبقًا لما ذكره تايلر درامهيلر رئيس قسم عمليات المخابرات المركزية الأمريكية فى أوروبا، وقتها، فقد استمع مسئولو المخابرات البريطانية فى هدوء، إلى الخطة التى تلخصت فى اختطاف المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة فى جميع أنحاء العالم، وفى نهاية العرض علَّق «ألين» بأن الخطة مرعبة، وتفوح منها رائحة الدم.
يقولون إن بريطانيا هى مطبخ مؤامرات العالم، ويدعم هذا التصور حجم نشاطها المخابراتى الضخم، ومع ذلك، كان مسئولو المخابرات البريطانية كما قال «درامهيلر» شديدى القلق، للدرجة التى دفعت بعض مسئولى المخابرات المركزية الأمريكية ذوى الخبرة الأقل فى التعامل مع البريطانيين إلى إساءة تفسير ردود أفعالهم، وإلى عدم فهم الهدف من عبارة «ألين»، وأربكهم بدرجة أكبر سؤاله عما ستفعله المخابرات الأمريكية والبريطانية بعد أن يتشتت تنظيم القاعدة وينتشر أعضاؤه فى أنحاء العالم، وبينما كان مسئولو الـ«CIA» والـ«MI٦»، يتبادلون النظرات، أجاب «بلاك» بهدوء: «غالبًا، سيتم سجننا جميعًا».