كنت من رواد صالون المعادي الثقافي الذي ينظمه العلامة الدكتور وسيم السيسي، وهذا الرجل علامة في طب المسالك البولية، ولما كان في لندن درس علم المصريات إلى جانب الطب، وأصبح من المتميزين في هذين المجالين، ولا يقتصر حديثه على تخصصه بل إنه يحفظ شعر "أبو العلاء المعري" ويتحفنا بقراءاته في الأدب الإنجليزي وباقي مناحي الثقافة والأدب، وقد تكلمت الأستاذة إقبال بركة عن العلاقة بين الشرق والغرب وقدمت لكتابها "نحن وهم"، وقد قرأتها في الأول نحن وهم - من الوهم والإيهام -وأتحفتنا بتاريخ من حاولوا ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وأيضا تاريخ المستشرقين، وأوصلتنا إلى نتيجة أثارت دهشتي والحاضرين من أن العلاقة بيننا وبين الغرب ليست علاقة نفور، ولكنها علاقة محبة.
وتكلمت الدكتورة سوزان راغب - وهي حرم الدكتور السيسي - عن تجربتها في الهند، وكيف أن الهنود يحترمون آثارهم ويبجلونها، فلا بدّ من خلع الأحذية عند الدخول إلى أي أثر، وأيضا سلالم أثر "تاج محل" مغطاة بالخشب حتى لا تبلى الدرجات الرخامية، وأن التفرقة الدينية قد انتهت تماما لأن كل هندي يحترم طريقة الآخر في التعبّد ولا يتدخل في كيفية هذا التعبّد، وقد كان نجم الصالون هو الخبير الاقتصادي والمهندس الأستاذ صلاح دياب، وقد حدثنا - بحديث كله منطق ويخاطب العقل ويرفض الخزعبلات - عن قصة نجاح "المصري اليوم" و"لابوار" وباقي مشروعاته، وأشار إلى أن جريدة المصري اليوم يعمل بها 400 صحفي وموظف وأن هذا العدد يجب أن يقل لأن "نيويوركر" و"واشنطون بوست" يديرهما أقل من هذا العدد بكثير رغم أنها جرائد ورقية وإليكترونية في نفس الوقت، وقد أوضح - بما لا يدع مجالاً للشك - أن مشكلات مصر الاقتصادية معروفة ومشخّصة، وحلولها معروفة أيضاً، ولكن أين القرار الجرئ، وقد أوضح كذلك أن الحكومة الحالية كانت أقدر الحكومات على اتخاذ هذه القرارات لأنها حكومة مؤقتة، ولأنها جاءت لمرحلة حاسمة كانت تستطيع أن تضع فيها لبنات الإصلاح للحكومات اللاحقة، وأيضا عندما قاطعته إحدى السيدات الحاضرات بأنه مشهور بأن كل ما يلمسه يتحول إلى ذهب "مايداس تاتش"، نفي ذلك بشدة قائلا إنه عانى الفشل وإن - على حد تعبيره - كل أربعة مشروعات فاشلة فيها نصف مشروع ناجح، لأنه لا يتعمد الفشل ولأنه يتعلم منه.
أما نجم النجوم فكان الدكتور وسيم السيسي، الذي يتدخل كلما كانت هناك فرصة بحكاية طريفة أو ليستدعي المطربة المتميزة زينب بركات لتغني كي تكون السهرة متنوعة، وأذكر القصة التي حكاها عن الدكتور وليم جيمس صاحب مبدأ "البرجماتية" من أنه عندما بلغ به الكبر سرح بخياله رافضا المعاناة والموت، وطلب لقاء الدهر أو الزمن، ولما رآه طلب منه أن يتوقف عن السير قدما، فقال الدهر: ولكن لو فعلت لما ولدت الأمهات وما أثمر النبات وما اكتملت البحوث أو اختُرِع ما يجعل حياة الإنسان أفضل، فقال الدكتور وليم: حسنا فلتسر إلى الخلف، فرد الدهر قائلا: ولكنك لن ترجع فقط إلى الشباب بل ستصير في بطن أمك وستتخلّف الإنسانية وتفقد أهم الاختراعات، بل ستنتهي الحياة كما بدأت، فقرر الدكتور وليم الاستسلام للدهر وحركته التي تدعو إلى النماء.
أتمنى من الله أن ينتظم صالون المعادي الثقافي، لأنه توقف بعد أحداث الثورة، وأن تزيد وزارة الثقافة من الصالونات الثقافية فهي إحدى أهم أعمدة التقدم في أي بلد.