من حق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أن يرفض الدستور الذي نال استحسان الناس، ومن حقه أن يعارض النظام السياسي القائم ويختلف معه، ولا شك أن من حقه أيضا أن يخاصم ثورة 30 يونيو وينتقد توجهاتها، لكن ليس من حقه أن يلغ في دم الشهداء ويصفق للقتلة ويقر جرائمهم.
هكذا فاجأني الرجل الذي لولا الشدة الآنية ما عرفته، لقد خرج أبو الفتوح على إحدى الفضائيات - بعد صمت طال وغياب تكرر - ليدين رجال الشرطة وقيادات الداخلية على الجرائم الإرهابية التي تستهدفهم، وهي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تتم فيها إدانة الضحية والتمثيل بالمغدور، كيف واتاه عقله أن يصيغ تلك العبارة المدهشة في مشهد الرصاص المنهمر من أذناب التأسلم الضالين على الدولة المصرية؟، كيف رضي ضميره عن ذلك الطرح الغريب في إدانة المجني عليه لأنه لم يمنع الاعتداء عليه؟!، كيف طاوعه لسانه أن ينطق تلك الكلمات الآثمة في حق شهداء الشرطة المضرجين في دمائهم؟!.
رصاصات من المجهول، وأفخاخ على الطريق، وقتل يومي لكل من يحرس في سبيل الله بدم بارد وأعصاب هادئة وتشفٍّ مريض، رجال الأمن يُقنصون غدرا، والسياسي - الذي كان يسعى إلى أن يحكم مصر - نسي قيم العدالة وتجاهل أسس المنطق، وبدلا من أن يدين القتلة أدان الضحايا!!.
إن الداخلية تفقد كل يوم شهيداً في معارك خسيسة لم تدخلها، وفرضت على بنيها فرضا، وما زالت تجابه وتواجه وتقاوم جحافل الإرهاب الأعمى وكتائب الموت السرية، ليس خيرا أن نلعن رجالها الأنقياء وهم يحملون أرواحهم فوق أكفّهم لكي نحيا في أمان، وليس من الشرف معايرتهم باستقبال الموت والعيش في خطر.
إنهم إخواننا وأهلونا وأحباؤنا وأصدقاؤنا، دفعوا ثمن التحرر من الفاشية الدينية ووقفوا رجالا في مواجهة جبناء أنذال ليسوا منا ولسنا منهم، وسيدفعون الثمن مرات ومرات، ولن يتخلوا عن واجبهم في إقرار الأمن وحماية الوطن، سيبقى شهداء الواجب نخيلا جميلا في قلب الوطن يُسقى بحب الناس، وينمو بدعائهم لهم وتقديرهم لبطولتهم وشرفهم وتفانيهم.
أما أبطال الفضائيات وحناجر السباب وسماسرة الأوطان، فإننا ندعوهم ونطالبهم - بحق جلال الله، ثم بحق هذا الوطن الذي قتلتنا محبته - بألا يفتحوا أفواههم، والله أعلم.