تحول الهاتف الذكى إلى أداة إعلامية متكاملة، خاصة أن صحافة الموبايل في مرحلة نمو بفضل تطوير تقنيات وتطبيقات جديدة، ولا تنفك الهواتف الذكية تجتاح العالم مؤكدة بذلك مكانتها في العصر المعاصر والحديث، ومؤخرًا دخلت ميدان الإعلام وأحدثت ثورة في عالم الصحافة والأفلام والتصوير الفوتوغرافى، حتى أصبحت قادرة على إنتاج أعمال إعلامية متكاملة. إن حركة صغيرة أصبحت قادرة على بلورة المفهوم بطريقة مثيرة، ويذكّر صعودها ونجاحها السريعان بالانفجار الذى شهده استهلاك الفيديو على الأجهزة المحمولة.
لقد دخلت الهواتف الذكية ميدان العمل الإعلامى تدريجيًّا ابتداءً من خدمات الرسائل العاجلة، قبل عدة سنوات، وأخذت بالتطور، حتى أصبح الموبايل مؤسسة كاملة لصناعة الأخبار، وحتى في التليفزيون يمكن من خلاله تنفيذ حوار كامل وإجراء العمليات الفنية «المونتاج والصوت» والبث، فلم تعد هناك حاجة إلى مكتب وأموال.
إن القدرة الواسعة التى تتمتع بها التكنولوجيا الحديثة من الممكن اليوم أن تزيل كل الحواجز، للوصول إلى وسائط الإعلام وخلق روابط وثيقة بينها، لدرجة أنه يتم استعمال كل التقنيات من إعداد وإخراج الأفلام واعتمادها في مجال الصحافة، في حين تجاوزت الصحافة الحواجز نحو الأفلام، الشيء ونفسه ينطبق على علاقة الصحافة مع التصوير.
لقد بدأت ثورة الصحافة في الموبايل في التحقق على أرض الواقع مهددة الطرق التقليدية في العمل، فالصحفى الأمريكى «جيف روث» الذى يعمل مديرًا للتحرير في محطة «فوكس نيوز»، التى تعد من أبرز التجارب الناجحة مع صحافة «الموبايل»، والذى يعدُّ من أبرز روادها، بدأ صحفيًّا تليفزيونيًّا بالمعنى التقليدى لسنوات طويلة قبل أن يواكب التطور التقنى الذى غيّر من طبيعة العمل الصحفى بشكل جذري، ففى غرف الأخبار التقليدية يجتمع عدد كبير من العاملين ملتفين حول مكاتبهم، محملقين في أجهزة الكمبيوتر وبجانبهم الطابعات والأوراق، مستغرقين في البحث عن قصة تستحق أن تعرض على الشاشة، يخرج بعد ذلك المحرر مع الفريق الفنى لتسجيل القصة الصحفية المطلوبة، ويصف «روث» أسلوب العمل هذا بالممل الذى يجب أن يتغير، ويقول: «لست بحاجة إلى كل هذا الفريق، ولديك هاتفك الذكي، وقتٌ وجهدٌ ضائع يقضيه المحرر في الذهاب من المحطة وإليها، والخروج بفريق فنى كامل. على المحررين البقاء في أماكنهم وإرسال كل ما يريدون بضغطة زر».
ويذكر الباحث معتز عبد الفتاح الجنيدى في رسالته للدكتوراة، التى أوشك على الانتهاء منها تحت إشرافنا أن تجربة «روث» سجلت نتائج ملموسة وغيّرت من طبيعة غرف الأخبار التقليدية، اعتمدت عليه شبكة «فوكس نيوز» لتأسيس محطة محلية قائمة بشكل أساسى على صحافة الموبايل؛ حيث تم تجهيز غرفة للأخبار تتسم بالديناميكية العملية تتناسب مع صحافة الموبايل، استديو أنيق خالٍ من المكاتب المتراصة، والهدف هو جعل أكبر عدد من الصحفيين يعملون في الخارج ويقومون بكل المهمات، التصوير وتسجيل الصوت والتحرير، كلها بالإمكان إنجازها عبر الهاتف الذكي، فالقصة ستكون جاهزة خلال وقت قصير، وما على المراسل إلا أن يرسلها وتقوم المحطة ببثها، وبهذه الطريقة نجح بخلق بيئة صحفية حديثة مستفيدًا من التطور التقنى السريع للهواتف الذكية، فقد أصبح الصحفيون العاملون بالمحطة أسرع وأكثر إنتاجًا من منافسيهم بمحطات أخرى، وبسبب أنهم لا يذهبون للمحطة فقد باتوا أكثر التصاقًا ومعرفة بالمجتمعات التى يقومون بتغطية أخبارها.
على الرغم من أن الموبايل ارتبط بعمليات توزيع الأخبار، كونه منصة نشر يتم من خلالها توصيل الأخبار لملايين المستخدمين الذين باتوا يتلقون الرسائل الإخبارية القصيرة أو يتصفحون الإصدارات الرقمية عبر هواتفهم الذكية أو يشتركون في تطبيقات تم تصميمها خصيصًا لهم، فإن الموبايل ارتبط أيضًا بإنتاج الأخبار من خلال مفهوم صحافة الموبايل أو استخدام الموبايل في إعداد الأخبار؛ حيث يستخدم الصحفيون هواتفهم الذكية في التقاط الصور والفيديوهات وإجراء المقابلات المصورة، فضلًا عن إمكانية تقديم بث حى من الموبايل إلى الويب مباشرة Live Mobile-to-web، ونشر العناوين الموجزة على الإعلام الاجتماعي، وهى الممارسات التى تزداد أهميتها مع الأحداث التى تتطلب تغطية لحظية مثل الانتخابات، ويطلق على الصحفيين الذين يقومون بهذه المهام اختصارًا Mojos، أى صحفى الموبايل mobile journalists.
وقد ساعد في نمو هذا النمط من إنتاج الأخبار التطور الكبير الذى لحق بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، سواء من حيث جودة كاميراتها أو سرعة أنظمتها، فضلًا عن إصدار التطبيقات المتخصصة التى تساعد الصحفيين ليس فقط في تسجيل الصوت والفيديو وكتابة النصوص، وإنما تحرير تلك المواد أيضًا مثل تطبيقات Vericorder، وهى التطورات التى أثرت في بنى غرف الأخبار وابتكار ما يسمى «غرف الأخبار» المرتكزة على تغطية الموبايل mojo-focused newsroom، والتى تعتمد على محررين ميدانيين يستخدمون الموبايل في التغطية بشكل كامل، ومحررين في مقر الغرفة يقومون بعمليات التحرير والإعداد النهائى والبث، وهو النمط الذى يصلح إلى حد كبير في النماذج التى تعتمد على المواطنين الصحفيين.
وفى الوقت الذى تتسارع فيه الأحداث، أصبح الصحفى بحاجة إلى التقاط الصور والفيديوهات بشكل أسرع من الماضي، ما طرح تغطية الأحداث باستخدام الهواتف المحمولة بديلًا مناسبًا عن التغطية الصحفية التقليدية، وظهرت في الآونة الأخيرة العديد من البرمجيات التى صنعت خصيصًا لمساعدة الصحفى في عمله؛ حيث أسست الصحفية الأمريكية لينزى ماستيس موقع JournalistApps.com لمساعدة الصحفيين على التغطية باستخدام الهاتف المحمول. يقدّم الموقع إمكانية التحميل لمعظم البرمجيات التى يحتاجها الصحفيون في عملهم، وهى مقسمة تبعًا لنوع الوسيط ما إذا كان صورًا أو صوتًا أو فيديو، كما يقدّم الموقع العديد من الدروس التوضيحية التى تشرح بعض التقنيات المستخدمة أثناء التغطية باستخدام الهاتف المحمول، بالإضافة إلى احتوائه على نماذج نجاح لصحفيين يستخدمون الهاتف المحمول في عملهم. وأصدرت كلية بيركيلى لدراسات الصحافة العليا بجامعة كاليفورنيا دليلًا ميدانيًا لصحفيى الموبايل، يتضمن مراجعات Reviews للأدوات والتطبيقات التى قد يستخدمونها على هواتف آبل الذكية Iphone مع تقديم تقييم لكل منها وفق جودتها وملاءمتها للعمل.
وقد أثبت عديدٌ من الأحداث أهمية الهاتف المحمول في التغطية، خاصة في الحوادث الطارئة، فحسب رأى كريستيان إسبينوزا، أستاذ صحافة الهاتف المحمول في إحدى الجامعات في فنزويلا، فقد أظهرت تغطية الصحفية «موران سوزان» لتمرد الشرطة ضد رئيس الإكوادور، عن طريق الهاتف المحمول بجهاز هاتف نوكيا E71؛ حيث عمل أتباعها بمثابة بوصلة حين كانت تغطى الوضع الخطير، وأظهرت أيضًا تغطية إنقاذ ثلاثة وثلاثين عاملًا من عمال المناجم في تشيلي، أظهرت أهمية تعلم كيفية التغطية في أى وقت ومن أى مكان بواسطة الهاتف المحمول، كما يعد «التدوين المصغر» هو النمط الجديد للتغطية بواسطة الهاتف المحمول، وينبغى على صحفيى الهاتف المحمول دائمًا تضمين هاشتاج مخصص أو طرق أخرى للتفاعل مع خدمات التدوين المصغر، وصياغة رسائل بحدود مائة وأربعين حرفًا، وهو الحد الذى عينه «تويتر»، بما في ذلك العنوان لمقطع الفيديو أو الصوت، وينبغى أن تكون العناوين قابلة للبحث حتى يتمكن المشاهدون من العثور عليها بسهولة.
ولا زلنا لدينا مع المداخل المبتكرة لتطوير المحتوى الصحفى.. ونستكمل الأسبوع المقبل.