يعانى إعلامنا اليوم من حالة إعياء شديد جعلته يفقد هويته ويضل الطريق إلى أهدافه التى قام من أجلها، فمن الإرشاد والتوجيه والتثقيف والإثراء والحفاظ على الهوية والانتماء إلى الابتذال والانحطاط الثقافى والجهل وفقدان الهوية والهدف.
وهناك العديد من الأسئلة تطرح نفسها بكل أدوات الاستفهام المعروفة لدينا، وتحتاج إلى إجابة، أولا لمصلحة من يراد بالإعلام أن يهوى إلى هذه الدرجة؟ ولماذا؟ وهل الإعلام مستهدف أم هو يسير إلى الهاوية بالقصور الذاتى؟ وإذا كان مستهدفا فكيف حدث هذا؟ وكيف وقع في هذا البحر المظلم وهل يمكن إيقاف تدهوره؟ أم أنه أصبح سلعة لا شار لها ولا مستهلك؟
والحقيقة الواضحة أمامنا اليوم هى أن الإعلام يحتاج إلى من يمد له يد العون، بعد أن كان هو من يوجه العون لكل الناس في كل مناحى الحياة، والأسباب التى أدت إلى تدهور الإعلام واضحة، وأهمها اختيار الجهلاء وأنصاف المثقفين ليشغلوا المناصب القيادية، فإذا أردت أن تدمر منظومة فولى أمرها جاهل مستبد برأيه، لقد حل مبدأ الأكثر ولاء، محل الأكثر خبرة منذ زمن، فأصبح الكل يتكالب في عمله على إرضاء ولى الأمر مهما كان مستوى هذا العمل، ومهما كان ابتذاله وإسفافه، وإذا كان الذى يتولى المنظومة الإعلامية جاهلا إذًا فلن يفرق بين العمل الجيد والردىء.
ومن الأسباب المهمة لتدهور الإعلام، وضع الإعلام الذى ينشر المبادئ والقيم وينشر الوعى الثقافى والفكرى في موضع التقييم الاقتصادى، فمتى كان التعليم مثلا مشروعا اقتصاديا! ومتى كانت الثقافة مشروعا استثماريا! ومتى كان التليفزيون هيئة اقتصادية تهدف إلى الربح! ومتى كانت الصحافة تهدف إلى الإعلانات، فكل تلك أشياء لا تشترى؟ ثم متى كانت الأعمال الدرامية الهادفة التى كان ينتجها قطاع الإنتاج بالتليفزيون رحمة الله عليه، مشاريع استثمارية ينتظر منها عائد مادى، وإن لم تربح تتوقف جميع الأعمال التى ينتجها قطاع الإنتاج ويوقف الدعم المالى له، لقد عبرنا في أكتوبر بالشحن المعنوى والإيمانى ولم نعط الحماسة لجنودنا في هيئة مكافآت مالية، ولم تكن الأغانى الوطنية تباع في محلات الشرائط، إن هذه المعانى العظيمة لم تقم بالمال، إذًا نحن مام حالة من إغفال قيمة المعنى لصالح القيمة المادية.
لقد تخلينا عن القيم الروحية والقيم الإنسانية وكل هذه القيم كان يحافظ عليها ويرعاها ويرويها الإعلام، وبعد أن تخلينا عنه يمكن أن تموت وبالتأكيد ستموت هذه القيم بعد موت الراعي، والذى يتمثل هنا في وقف الدعم المالى للجهاز الإعلامى للدولة والتخلى عنه.
وهنا نتساءل هل يمكن للقطاع الخاص إنتاج مسلسل مثل «محمد يا رسول الله أو ضمير أبلة حكمت»؟ فهناك أعمال لا ينتجها إلا الإعلام القومى للدولة، لأنها تحمل أهدافا معنوية لدعم قيمة المعرفة والأخلاق ودعم القيم الروحية.
خلاصة القول، نحن نقتل الإعلام بدم بارد دون أن يتحرك لنا جفن، وأول خطوة في طريق العودة إلى زهو الإعلام في سابق عهده، اختيار القيادات الإعلامية الأكفأ، ثم عودة الدعم المالى للأجهزة الإعلامية دون النظر إلى العائد المادى، وإعطاء الإعلام المساحة المناسبة للتحرك في الموضوعات التى تهم الصالح العام.