الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نعم.. المجاملة فساد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن هناك تحديات جسيمة وخطيرة تواجه الوطن وعلى كل المستويات، أولها المواجهات الحدودية والتى تقوم بعض الدول المستغلة للتنظيمات الإرهابية بحشدها وتمويلها وتسليحها ورسم الخطط المخابراتية لها سواء كان ذلك على الجبهة الشرقية في سيناء أو الغربية مع ليبيا أو الجنوبية مع السودان، هادفين من ذلك تقويض وهدم الوطن تحججًا بمعارضة النظام الذى أحبط مخططاتهم التى كانت تستهدف تحويل الدولة إلى ولاية تابعة للوالى العثمانى المتخيل، وإذا كان هذا التحدى يعتمد على المواجهة الأمنية التى ما زالت والحمد لله تؤدى واجبها وتقوم بدحر هذا الإرهاب، فهناك المواجهة الفكرية والثقافية المتمثلة في خطاب وفكر دينى وثقافى جديد لم تأخذ طريقها للتحقق حتى الآن كما يجب أن يكون، وهناك أيضًا تحديات اقتصادية حادة وحالة فرضت ما يسمى بالإصلاح الاقتصادى الذى دفع ولا زال يدفع فاتورته المواطن الفقير والمتوسط بالرغم من محاولة النظام القيام بإجراءات توازن مالى واجتماعي لهذه الطبقات حتى تصل إلى نتائج هذا الإصلاح الاقتصادى الذى تستمر تحدياته ممثلة في زيادة الإنتاج الذى يتبعه زيادة تصدير حتى ينتُج عن هذا زيادة في الاستثمارات المحلية والأجنبية ثم مزيد من الادخار المفعل في مشروعات إنتاجية حتى يعتمد الاقتصاد على الإنتاجية بدلًا من الريعية، كما أن هناك تحديات سياسية تتمثل في إيجاد حياة سياسية وحزبية ترفع مستوى درجة وعى المواطن حتى يستطيع تكوين رؤية سياسية ومن خلالها يمتلك القرار للاختيار السليم والهادف للصالح العام في كل الاستحقاقات الانتخابية سواء الرئاسية أو التشريعية في مجلسى النواب والشيوخ وغيرها من استحقاقات انتخابية مثل المحليات لما لها من أهمية خاصةً في إطار محاربة الفساد، وكذلك لا نقلل من التحديات الاجتماعية وهى التى تحدد وتساهم في نشر الثقافة العامة التى تؤثر على تكوين الشخصية المصرية سلوكيًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا بل وأخلاقيًا، وهنا مصدر البلاء لظاهرة الفساد المنتشرة والمتفشية والتى لا ينكرها أحد بل إن هذه الظاهرة هى أم البلايا وأُس الإرهاب ولا تقل خطورتها عن خطورة هذا الإرهاب، فالإرهاب يمكن تحديده في أشخاص وعمليات تراوغ وتتستر ولكن سهل تحديدها ومواجهتها ولكن الفساد والفاسدين يعيشون وسطنا وفى كل المجالات والمواقع ويمارسون هذا الفساد بأساليب مبتكرة وتقليدية، والأهم الآن هو أن هذا الفساد يجد من يبرره بل يحلله دينيًا لأسباب واهية لا علاقة لها بالاحتياج ولا الضمير ولا القيم الأخلاقية والدينية حتى وإن كان التستر يتم من هؤلاء باسم الدين والأخلاق فهذا شيء وذاك شيء آخر، ولخطورة الفساد على كل مقدرات الوطن وجدنا هذه الأجهزة الرقابية التى تقوم بضبط عمليات فساد على كل المستويات الوظيفية من وزير ومحافظ ورئيس مؤسسة، وإن كان الواقع يؤكد أن هناك أنواعا من الفساد من الصعب ضبطها مثل المجاملة التى تحدث عنها الرئيس السيسي عند تخريج دفعة أطباء القوات المسلحة حين قال «إن المجاملة هى فساد» ودلل على ذلك بأنه لم يجامل أحدا أيًا كان عندما كان في القوات المسلحة، بل دائما يتحدث السيسي عن الفساد ومحاربته على كل المستويات، وهنا نريد أن نتحدث عن هذه القضية بصراحة ولا مواربة فالفساد لا يقتصر على رشوة تقدم نظير خدمة أو عمل غير مستحق لمن قُدم إليه، ولا على المحسوبية التى تقدم كل ما هو مطلوب لصاحب السلطة والسلطان ولأولاده ولكل من له صلة به، ولا على الوسطة التى تعتمد على توصية من ذى شأن لتمرير خدمة لشخص لا يستحقها وبالتالى تحرم شخصا أحق وأكثر تأهيلًا للمكان والخدمة من صاحب هذه الوسطة، فالمجاملة هى دفع وتقديم ما ليس ملكك أو حتى من حقك إلى من ليس من حقه حتى ولو على مستوى الكلام، فالمجاملة الكلامية في غير موضعها هى نوع من النفاق والكذب، وهذا غير المجاملة في الإطار الإنسانى الذى يُلين الحياة ويقوى العلاقات الإنسانية، أما المجاملة في تقديم خدمات فهذه المجاملة هى فساد صريح، حيث إن المُجامل جامل على وقت العمل أو على حساب القانون بإسقاطه وعدم تفعيله لمجاملة هذا الشخص أو تقديم خدمات لا يستحقها، فبالتالى تم حرمان من هو أكثر استحقاقًا لهذه الخدمات، لذا رأينا السيسي ومنذ البداية يرفض أسلوب المجاملة وينبه على ألا يتجاوب أحد مع من يدعى أنه تابع للسيسي من قريب أو بعيد، وهذا يذكرنا بجمال عبدالناصر الذى لم يقبل مجاملة بأى صورة من الصور سواء لأولاده أو لإخوته ولأقاربه، وعندما أخطأ إحد إخوته تم عزله من موقعه وحددت إقامته ولم يقبل واسطة من والده الذى كان يحترمه جدًا.
هذه سلوكيات ومبادئ يجب التمسك بها من الكبير قبل الصغير ومن المسئول قبل غير المسئول، ولا يجب أن نكتفى في هذه المواجهة بالكلام والنصائح فقط بل يجب تفعيل القانون على الجميع بلا استثناء ومن يخالف القانون يحاسب فورًا، ولا بد من الأجهزة الرقابية أن تهتم بالشكاوى التى تتحدث عن فساد ورشاوى خصوصًا في المحليات التى نعرفها جميعًا وبالأخص في بعض الإدارات التى تتصل بالمواطن بشكل مباشر، لا بد من الشفافية وإتاحة المعلومات حتى تُحاصر الإشاعات التى تتحدث عن فساد المسئولين، الشيء الذى يبرر فساد الأفراد، فالمكاشفة والمواجهة والمصارحة مطلوبة.
حمى الله مصر من الفساد والفاسدين بعزم ومواجهة المصريين الشرفاء.