يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولما كان مقتضى الحال يستوجب استدعاء قيم قد أهملها الحاضر ولاحت صفحاته لطيها.. تلك القيم الأصيلة وهذه المبادئ الحقيقية هى التى شكلت النسق الأخلاقى للحضارة الإنسانية التى أشرقت مع شمس الدنيا من «مصر» كفجر للضمير الإنسانى وتعاقبت حضارات الأمم تتوضأ من ضى هذا الفجر أخلاقًا وقيمًا ومبادئ لتتمسك بإنسانيتها.. إن ما نعيشه- مفروضًا علينا- يخالف ما اعتادت عليه الإنسانية، ويُغلب قانون الغاب، عودًا على ما كان قبل التأريخ الإنسانى.
الواقع- الآن- فى عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمه وعقلها وصانع مستقبلها.
الأسطول التركى يخشى مواجهة البحرية المصرية وتستسلم معظم بوارجه تحت العلم المصرى
بعد انتهاء معارك الجيش المصرى فى سوريا لطرد العسكر الأتراك منها وتتالى انضمام الولايات السورية تحت العلم المصرى بدءا من عكا وحمص ودمشق وحماة حتى بيلان وأنطاكيا والإسكندرونة، وما زال المشير حسين باشا هاربا من لقاء الجيش المصرى، وعندما اتجه القائد الهارب إلى الإسكندرونة أصدر السلطان محمود التركى أوامره إلى أسطوله بالتوجه لنجدة جيش الصدر الأعظم- أو ما تبقى من فلول الجيش التركى- من بطش الجيش المصرى الذى لم ينهزم مرة واحدة أمام عسكر السلطان العثمانى، وبالفعل تحركت من الأناضول قطع الأسطول التركى المؤلفة من سفينتين كبريين تسليح الواحدة منهما مائة وأربعون مدفعا، وبصحبة أربع سفن أخرى، تسليح الواحدة منها خمسة وستون مدفعًا، ويلازمها ثمانية فرقاطات، وعشرة طرادات، وثمانية زوارق مسلحة واثنان صغيران، ومركب بخارى، وخمسة وأربعون نقالة مؤجرة من مراكب الدول الأوروبية.
وهنا أصدر بدوره والى مصر محمد على باشا أوامره لأسطوله الشمالى المسيطر على جنوب البحر المتوسط حتى جزر اليونان وقبرص بالخروج من الإسكندرية لملاقاة الأسطول التركى، وكان الأسطول المصرى مكون من: ثلاث سفن، سلاح كل منها مائة مدفع، وخمسة طرادات، سلاح الواحدة منها من ٢٣ مدفعا حتى ٢٥ مدفعا، وثمانية نساقات، سلاح الواحدة منها من ثمانية إلى عشرين مدفعًا، وفرقاطتين تسليحهما معا مائة وأربعة مدفعًا، وعشرين نقالة، وستة جرافات، تحت إمرة عثمان باشا ووكيله الأميرال وسطوش بك.
ولم يقتصر الأمر على استخدام القطع الخاصة بكل جانب بل لجأت تركيا إلى استخدام ثلاثة بواخر اثنتين نمساويتين والأخيرة روسية لنقل أخبار تحركات الأسطول المصرى، وهكذا فعل محمد على، إذ تعاون معه فى الاستخبار البحرى سفينة فرنسية وثانية إنجليزية، وتمادى قيصر روسيا فى معاداة الأسطول المصرى ومناصرة تركيا طمعا فى ولاياتها الشرقية عندما يحين الوقت لتوزيع الإرث التركى على دول أوروبا، لكن بعد التخلص من جيش مصر الذى تهدد قوته مستعمرات الدول الأوروبية، التاريخ يشبه كثير ابنه الحاضر وحفيده المستقبل، لذا سحبت روسيا خبراءها من مصر وعلى رأسهم قنصلها العام من الإسكندرية ومنعها من خدمة الأسطول المصرى.
وعندما وصل الأسطول التركى إلى رودوس انقسم إلى قسمين: الأول جهة الإسكندرونة لتعزيز قوة السر عسكر حسين باشا الباشاوات وهو الهدف المعلن من تحرك الأسطول من الأناضول، والثانى إلى لارانكا على سواحل قبرص، ووصل الأسطول المصرى إلى ليسامول من الجانب الآخر من جزيرة قبرص، وهنا استولى الأسطول المصرى دون قتال على زورقين تركيين كانا يجوبان الساحل القبرصى بهدف الاستطلاع، وتلا ذلك أن أسرت فرقاطة مصرية لأخرى تركية، بعد أن أطلقت الأخيرة طلقة إنذار وتحذير واحدة فقط استسلمت بعدها طواعية لأسر الفرقاطة المصرية لها دون قتال! ومن قبل كان السلطان محمود قد أرسل إلى الإسكندرونة عشرين سفينة لنجدة حاميته فى حلب من نير الجيش المصرى إلا أن تلك العشرين سفينة وصلت متأخرة بعد هزيمة الأتراك وضم حلب إلى الولاية المصرية فأسر الحيش المصرى العشرين سفينة بحمولتها جميعا.
كانت أوامر محمد على واضحة للغاية وهى بعد التقدم بالهجوم على الأسطول التركى إلا عند إنزال الأخير لجنوده على سواحل قبرص، ومن جهة أخرى ذكرت تقارير قادة السفن الأوروبية بالأسطول التركى أن هذا الأسطول تلقى من قائده خليل قبطان باشا بتحاشى مواجهة الأسطول المصرى، وذلك ما أكده قبطان إحدى السفن الحربية الفرنسية عندما قابله خليل قبطان باشا فى كارامانيا فى أغسطس معترفا بأنه يتحاشى الصدام مع الأسطول المصرى، إلا إذا كان الأسطول المصرى هو البادئ بالقتال، بل زاد القبطان باشا قائد الأسطول التركى للقبطان الفرنسى أنه يفضل أن يكون تحت حكم محمد على، على أن يكون تحت حكم السلطان محمود العثمانى، كما جاء فى تقرير القبطان الفرنسى لدولته فى ٢٤ أغسطس عندما التقى قائد الطراد الفرنسى بخليل باشا قائد الأسطول العثمانى.
وسيأتى سرد تفاصيل أسر واستسلام قطع الأسطول العثمانى أمام الخوف من ملاقاة الأسطول المصرى فى المعركة البحرية نوارين العدد المقبل إن شاء الله.