تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
شعرت بصدمة كبيرة واندهاش.. حينما انتهيت من قراءة تقرير دولى يحدد نصيب الأشجار لكل مواطن على مستوى العالم، وباختصار غير مخل.. كانت لغة الأرقام هى التى تتحدث بدقة؛ حيث كشف التقرير أن كندا يصل نصيب الفرد فيها إلى ١٠١٣٦ شجرة، تليها جرينلاند الدينماركية ٤٩٦٤ شجرة، ثم فى المرتبة الثالثة أستراليا بنصيب ٣٢٦٦ شجرة لكل مواطن هناك، ثم الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث نصيب الفرد ٦٩٩ شجرة، فرنسا ٢٠٣ شجرات، ثم إثيوبيا التى يصل فيها نصيب الفرد من الأشجار ١٤٣ شجرة، أما الصين ١٣٠ شجرة، ثم بريطانيا ٤٧ شجرة.
وللأسف يأتى نصيب الفرد فى مصر شجرة واحدة، وفى ذيل القائمة الدولية، ومن هنا للأسف نتساءل: كيف ذلك؟؟ إذا كنا نعتبر أنفسنا بلدًا زراعيًا.. فهل هذا التوصيف الصحيح فى ظل تحديات كبيرة.. رغم ما تملكه مصر من مساحات من الأراضي.. ووجود نهر النيل و١٢ بحيرة وسد عال غير المياه الجوفية.. ومياه الأمطار والسيول التى يتم هدرها، فضلا عن مليارات من مياه الصرف التى يمكن معالجتها من أجل إنشاء الحدائق والأشجار وحتى الغابات الشجرية.
وإذا كان الواقع يقول إن معظم الطرق الصحراوية بما فيها المشروعات المعتبرة القومية - للطريق الدائرية – الطرق الإقليمية والحرة.. فإنها جميعا طرق دون أشجار إلا ما ندر.. وعلى سبيل المثال، أن كافة طرق السويس - القاهرة - الإسماعيلية - البحر الأحمر وسيناء كلها، كما يقولون «قرعة» دون أشجار ظليلة اللهم إلا شجرة يتيمة عند إحدى نقاط الإسعاف بأول طريق السويس القاهرة.
أما باقى الطرق فحدّث ولا حرج؛ حيث الشمس المحرقة والتغيرات المناخية وازدياد عناصر التصحر التى تهدد الطرق بالأتربة والغبار وتجريف السيول، ويمتد ذلك إلى حتى الطرق المحلية.
وإذا كنا نتحدث عن نصيب الفرد وحجم الحدائق العامة فى المحافظات فحدّث ولا حرج؛ حيث قلة الحدائق العامة وإذا وجدت يقام حولها أسياج وأسوار من الحديد، مع انعدام للصيانة المستمرة أو التطوير لتلك الحدائق، خصوصًا بعد افتتاحها الرسمى مع صور المسئولين.
ويكفى قراءة إحصائية عن الحدائق والأشجار فى المحافظات بالمحليات، لندرك كيف أصبحنا لا نميل للخضرة والجمال والوجه الحسن.. وقد نسينا حتى التوجهات الدينية، وما قاله الرسول عليه السلام «إذا قامت الساعةُ وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها» والمعنى عميق..
عمومًا يحق لنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة الموضوعية والعلمية:
- كيف نرضى لبلادنا أن تكون فى ذيل الدول فى نصيب الفرد من الأشجار على مستوى العالم.. ونتحدث عن الحضارة؟
- أين الوزارات المعنية «الزراعة - الرى - الإسكان- البيئة» وأين كليات الزراعة!!؟
- أين تلك الهيئات التى تحمل أسماء رنانة «التنمية الحضرية - المجتمعات العمرانية الجديدة - هيئة التجميل والنسق الحضارى - هيئات التجميل والنظافة فى المحافظات»...؟؟!
- أين مديريات الزراعة المنتشرة فى المحافظات وفروع جهاز شئون البيئة؟
- أين تلك الجمعيات البيئية والاتحادات الأهلية لحماية البيئة والتطور الخضري..!؟
وبعد.. إن مصر التى كانت تشتهر بالأشجار على كافة الطرق بين المحافظات، وكانت تلك الطرق نتباهى بطولها وأشجارها الكبيرة.. وقد تعلمنا وعرفنا أشجار «الكافور، والبوتسيانا الجميلة صاحبة الورد الأحمر والبنفسجي.. أشجار التوت - الكازورنيا - الصوبريات - البامبو - السسيال وأشجار الجاتروفا.. وغيرها من الأشجار العطرية والمثمرة».
وهنا لا نتحدث فقط عن القيم الجمالية وحماية البيئة من الشمس أو الأمطار أو حتى التغيرات المناخية وحماية البيئة من التلوث، كما نتحدث عن القيم الراقية لحماية المواطن الذى له حق الاستمتاع بالخضرة، وتأثير ذلك على الصحة العامة فى بلدنا.
أين تلك الأشجار الجميلة، والتى تسر الناظرين وهنا «حدث ولا حرج»، وهنا كانت إشارة ذكية فى عدم اكتمال مشاريع الغابات الشجرية التى أعلنت عنها من قبل وزارة البيئة التى تصل ما يقرب من ٨٥ غابة، وذلك لتكون مصدات للأتربة والرياح والتجميل فى المحافظات.
فى السويس أهملت الغابة الشجرية التى صرف عليها الملايين وفى الكثير من المحافظات.. ما زالت تلك الغابات مشروعات تحت التنفيذ وأخرى أصابها الإهمال.. نحن نتحدث عن الهدر وعن القيم الإنسانية والجمالية، وليس عن مشروعات وهمية لا يتم متابعتها.
لقد أشار شاعرنا الجميل عبدالرحمن الأبنودى فى إحدى قصائده بقوله «تزرع شجرة.. أو تبوس بقرة.. وبعد ما تمشى تموت» فى إشارة إلى الإهمال.
من حقنا جميعًا أن نجد حدائق أو شجرة ظليلة نجلس تحتها أو ننظر إليها من أجل نفس مطمئنة، وهنا تجدر الإشارة إلى القيم الاقتصادية فى زراعة الأشجار فى صناعة الأخشاب وتصنيع الورق والصناعات الدوائية وصناعة الصمغ والفلين.. وحتى الصناعات الغذائية.
فضلا عن صناعة الأثاث وحتى الصناعات العطرية الجميلة.. فأين نحن من النظرة الاقتصادية وتوفير فرص العمل لهؤلاء الذين يعملون فى زراعة الأشجار والحدائق والغابات الشجرية، ويعملون على صيانتها؟؟.. أين التنسيق؟؟ ونقول ونطالب ونؤكد حق الجميع فى هواء نقى وجلسة تحت شجرة ظليلة أو التريض فى حديقة عامة محترمة.
وبعد نذكر:
- أن الدستور فى المادة «٤٥» بالنص على «تكفل الدولة حماية وتنمية المساحات الخضراء فى الحضر والحفاظ على الثروة النباتية..».
- أن قانون البيئة رقم ٤ لسنة ٩٤ وتعديلاته ولائحته التنفيذية قد جرم الاعتداء على الأشجار والخضرة وتلوث البيئة.
- أن قانون الإجراءات الجنائية، قد جرم الاعتداء على الأراضى الزراعية وتدمير الأشجار.
- خصص ٢١ مارس اليوم العالمى للغابات من قبل الأمم المتحدة.
وأخيرًا ما أحوجنا أن نفتح ملف زراعة النباتات والخضر والأشجار ومتابعة مشاريع الغابات الشجرية فى محافظات «السويس - بنى سويف - أسيوط - سوهاج - قنا - الأقصر - البحر الأحمر - مطروح» وغيرها وفق لما أعلنته وزارة البيئة.
لقد سمعنا الكثير عن حوادث مذبحة الأشجار فى الكثير من الأماكن، والتى شاهدتها بلادنا من قطع الأشجار واقتلاعها، وما أحوجنا إلى وجود تنسيق بين المحليات بالمحافظات والوزارات المعنية «الزراعة - البيئة - الرى - الإسكان»، ومنظمات المجتمع المدنى من الجمعيات المهتمة بتطوير البيئة.
كما أننا فى حاجة إلى متابعة التنفيذ للمبادرات التى نسمع عنها بزراعة مليون شجرة التى أطلقتها محافظة القاهرة، بالتعاون مع الزراعة وبعض الشركات.
نحن فى حاجة إلى النسق الحضارى والإنسانى من أجل مصر التى نريدها أفضل وأرقى بالعمل، والمتابعة من أجل حياة كريمة تليق بالشعب المصرى العريق بكفاحه وتضحياته.