تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تكررت الغارات الجوية على المنصورة ومع كل صفارة إنذار كنّا نغلق النوافذ الزرقاء وننزل إلى أسفل العمارة إلى البدروم حيث كان يسكن عمّ عبدالجبار بواب العمارة. ولكن فى هذا الْيَوْمَ قررت مجازفًا الصعود إلى السطوح مع بعض الأصدقاء لأرى المعركة الجوية وكأن القدر أعد لى مشهدًا لا يمكن أن يتكرر فى تاريخنا الحديث فكنت شاهد عيان عليه وإن كنت لم أعرف أبعاد أهميته إلا لاحقًا. التاريخ ١٤ أكتوبر ١٩٧٣ والساعة ٣:١٥ ظهرًا والسماء صافية كأن القدر أعد لنا مسرحًا رائعًا نحن فى صفوفه الأمامية. لا أعرف ما سبب جنونى فى هذا الْيَوْمَ لأصعد إلى السطوح رغم تحذيرات والدتى وصراخها «حتقتلوا نفسكم». كنت أتمنى أن أرى الطائرات وهى تغير وتقذف وتتعارك. فى صباح هذا اليوم دمر جيشنا لواء مدرعات للعدو وقتل قائده. ولكن أراد العدو فى ظهر هذا اليوم أن يحسم المعركة لصالحه كما فعل فى ٦٧ بتدمير السلاح الجوى المصرى كى يعيث فى الأرض تدميرًا بلا رادع من طائراتنا. فغارت فجأة على الدلتا ١٦٠ طائرة مرة واحدة على ثلاث دفعات وهو أكبر عدد من الطائرات فى تاريخ الحروب الحديثة حتى الآن. وكان نصيب المنصورة منها ١٢٠ طائرة من الفانتوم F-٤ وSkyhawk لتدمير قاعدة شاوة الجوية وهى أكبر مطارات مصر العسكرية. وما إن وصل الإنذار إلى القاعدة حتى استعدت طائراتنا الميج ٢١ للقتال وطلبت القيادة مساعدة قاعدة أنشاص وأبوحماد. خرجت ٦٢ طيارة مصرية بخطة محكمة لصد الهجوم ومنع استدراج العدو لطائراتنا بعيدًا عن القاعدة بالمجموعة الأولى من طائراته كما اعتاد مما أربك حساباته.
رأيت بعينى طائرات الفانتوم وهى تطير منخفضة جدًا من فوق رأسى وتتبعها طائراتنا كالصقور التى تنقض على الفريسة. شاهدت طائرات العدو وهى تفرغ حمولتها فى السماء لتستطيع الفرار سريعًا من طائراتنا. مشهد سينمائى لا يصدقه أحد. استمرت المعركة أمام عينى وأنا فى غاية الدهشة نحو الساعة وبالضبط ٥٣ دقيقة كما ذكرت البيانات لاحقًا. خسر العدو فيها ١٧ طائرة ومنها الطائرة التى أصيبت مباشرة وسقط قائدها بالبراشوت فوق أرض زراعية بدكرنس وكاد الأهالى أن يقتلوه لولا تدخل الطيار المصرى الذى سقط هو الآخر فى نفس المكان. خسرنا ٦ طائرات منها طائراتان نفد وقودهما. استشهد ٢ فقط من طيارينا. كانت مراوغة الطائرات مدهشة فوق أسطح العمارات وكأن فأرا وقع فى المصيدة وكنا قد اعتدنا على الطيران المنخفض والذى استشهد بسببه جارنا محمد حسين نور أثناء الاستعداد للحرب والذى سمى شارعنا شارع بسيم لاحقًا باسمه. غيرت معركة المنصورة مسار الحرب تمامًا فلو خسرناها لكنا خسرنا الحرب تمامًا. وأصبح هذا اليوم عيدًا للقوات الجوية. قاد المعركة اللواء أحمد عبدالرحمن نصر قائد اللواء جوى ١٠٤ والفريق مبارك قائد القوات الجوية وهو ما يشكر عليه رغم فشله لاحقًا فى رئاسة مصر وكان من أبطالها مقدم طيار حسن خضر ورائد طيار رضا إسكندر والنقباء نصر موسى. رضا صقر. عبدالمنعم هنام. ماهر شلبى. محمد على سليمان. حسن صقر. وجارنا بشارع منتصر البطل محمود (ديدي) الصاوي. ولا ننسى أبطالًا عظامًا على أرض المطار كالعقيد حمدى مقلد الذى أمدنى مشكورًا بالأسماء وكان وقتها مسئولًا عن سرعة إعادة ملء وسرعة إقلاع الطائرات. ولكل من الـ ٦٢ طيارًا الذين شاركوا فى المعركة وقيادتهم يجب أن ننحنى تقديرًا لبطولاتهم ونطلق أسماءهم على شوارع المنصورة تخليدًا وتقديرًا لبطولتهم. لقد أسعدنى القدر بمشاهدة المعركة بعينى رأسى من فوق سطح منزلى والتى قرأت عنها لاحقًا سطورًا مضيئة أحببت أن أشاركم فيها لتعرفوا بطولات شعبنا العظيم فى ذكرى انتصاره. من منكم شاهدها مثلى ويتذكرها؟