تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
هزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في معركته الأخيرة في شمال شرق سوريا والتي بدأها في 9 ديسمبر من الشهر الجاري. والهزيمة هنا لمشروعه السياسي وليست مجرد هزيمة عسكرية وانسحاب تم وفق أتفاق أمريكي أرغم عليه، ولكن يمكن قراءة الهزيمة في بعدين مهمين أولهما، أنه لن يكون مقنعًا في بيع الوهم لغيره بعد ذلك وهو من أطلق قذائف الموت على المدنيين العزل فأصاب الأطفال والنساء من الأرمن والتركمان والسريان والأكراد والمسيحيين ومن قبلهم المسلمين لا لشيء إلا لأنهم ليسوا عربًا.
أردوغان يدعي أنه نصير الإنسانية والمدافع الأول عن القيم في منطقتنا، وعندما وضع في أول اختبار ألقى بقيمه في سلة المهملات، وقتل المدنيين منحيًا كل ما كان يدعو له ومن أجله جانبًا، حاول أن يعري غيره فتعرى أمام العالم أجمع، والأخطر في سلوكه الأخير أنه أدعى كذبًا الدفاع عن الإسلام، وأن اعتداءه على المدنيين العزل من أجل السلام! وهو قمة التناقض، فالإسلام بريء من سلوكه وما فعله إرهاب بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
نجح أردوغان في خسارته الثانية في تجميع سكان شمال شرق سوريا ضد مشروعه السياسي، من كافة مكونات المجتمع السوري بمن فيهم العرب ممن لم يبيعوا ضمائرهم ورفضوا أن يكونوا شركاء له في دم إخوانهم الكرد، وهذا له ما بعده، ولعله حقق لهؤلاء ما أرادوا أن يحققوا أو عجل لهم به فوحدهم أكثر وهو ما سوف يساعد في تحديد بعد ذلك.
ارتباك الرئيس التركي من زيارة كل من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو يدل على الهزيمة التركية التي ظهرت بشكل أكبر في انفعال أردوغان معلقًا على اجتماع جامعة الدول العربية والزعماء العرب الذين لقنوه درسًا لم ينساه فاضطر للهجوم عليهم كما هو معتاد، على كل الأحوال خرجت القوات التركية تجر أذيال الخيبة من سوريا.
خسارة أردوغان مرتبطة بفشله بما أراد أن يحققه، فلم يكن هدف الرئيس التركي مجرد تحقيق منطقة أمنه فقط، ولكنه أراد أيضًا أن يردع الأكراد وباقي المكونات غير العربية خشية أن يفكروا في تقرير مصيرهم على خلفية نجاح حزب العمال الكردستاني في تحقيق ذلك قبل سنوات طويلة، فكانت النتيجة بخلاف ما أراده توحيد جبهة هؤلاء الأكراد، وبدلًا من أن يحقق منطقة أمنه بمسافة 30 كيلو متر كان الاتفاق على 20 كيلومترًا فقط، مجرد مثال.
من أهم أهداف أردوغان ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية وكل الدول العربية التي ناصبته العداء من خلال الإفراج عن متطرفي "داعش" في سجون الأكراد، وهو ما نجح في تحقيق جزء منه ولكنه فشل في تحقيق كل هدفه، ولعل هذه هي الخسارة الأكبر بين كل الخسائر.
ما أود قوله إن أردوغان لم يعد قادرًا على مواجهة جمهوره بشعارته السابقة التي كان يطلقها للاستهلاك المحلي مثل مواجهة أمريكا، سقط هذا الشعار كما سقطت شعارات أخرى مثل مواجهة الصهيونية أيضًا عندما أدرك الشعب لتركي والعربي حجم التنسيق والتفاهم والعلاقات الاقتصادية التي أقامها ومازال نجله مع الكيان الصهيوني، فضلًا عن التنسيق العسكري رفيع المستوى بين الدولتين.
كان يدعى أردوغان أنه الزعيم الأكبر في المنطقة القادر على مواجهة أمريكا، وأنه الوحيد الذي يستطيع أن يقول لها لا، فما أن قالها رافضًا مقابلة نائب الرئيس الأمريكي حتى عدل عن رأيه مرة ثانية بعد دقائق قليلة، واضطر في النهاية للقبول بالانسحاب، ويضاف لهذا وصف الرئيس الأمريكي له بالأحمق وصمتت تركيا على الإهانة ولم ترد عليها.
خسر أردوغان أمام الشريحة التي كانت تؤيده في الداخل التركي كما خسر أمام المجتمع الدولي والدول العربية جولة من الصراع، حتى أنه ما عاد قادرًا على الارتماء في الحضن الأوربي ولا الانفتاح على العالم العربي والإسلامي، فخسر كثيرًا وخسارته هنا بسبب غطرسته ولعلها أظهرت كثيرًا من حجم التناقض في شخصيته.
لم يخسر أردوغان وحدة في هذه المعركة وإنما خسر الإخوان المسلمون معه، فكل منهما باع الوهم مدعيًا القيم بينما سقط في أول اختبار أمام هذه القيم، فبرر الإخوان لحليفهم ضرب المدنيين ووصموا خصومهم كالعادة بكل نقيصة تتيح لغيرهم قتلهم العاطل في الباطل دون تفرقة بين نساء أو أطفال.
ولذلك خسارة أردوغان هي خسارة حقيقية لمشروعه الذي يحاول أن يسوقه في منطقة الشرق الأوسط والداعي من خلاله لدعم كل جماعات العنف والتطرف والتمرد، وعلى المجتمع الدولي أن يعمد للبناء على هذه الخسارة في هزيمة مشروع الإسلام السياسي، هزيمة تودي به في ردهات الزمن بعيدًا عن أي سيطرة أو تمكين.. وللقصة بقية.