منذ زمن بعيد صارت التكنولوجيا الرقمية، تسير حياة البشر اليومية، وحديثًا أصبحت الأجهزة المحمولة تراقب كل تحركاتنا، وتوجه استهلاكنا، وغيرت مواقع التواصل الاجتماعي، نظرتنا إلى العالم، ومازالت الأيام «حبلي» بجديد التكنولوجيا.
ومع هذه الوتيرة المتسارعة للتكنولوجيا، ورغبة العالم لمعرفة مستقبل التكنولوجيا، تظهر أسئلة وإن كانت خافتة عن مستقبل التكنولوجيا ومخاطرها، وما هى العواقب الاجتماعية التى ستترتب على استبعاد فئات مجتمعية كاملة وإقصائها، فقط لأنها أقل كفاءة من الآلات، وما الحدود الأخلاقية، عند تمكن أقلية من صفوة المجتمع في المستقبل، من تصميم أجساد بشرية محصنة ضد الأمراض والإعياء الذى يصيب البشر العاديين، كما أن التقدم السريع الذى أحرزته التكنولوجيا في الاعتماد على الآلات، بدلًا من الأيدى العاملة، أدى إلى انخفاض الطلب على العنصر البشري، واستبداله بالتكنولوجيا، ومن المتوقع تضاعف هذا الاستبدال خلال السنوات المقبلة، ورغم أن التكنولوجيا ستجعل حياتنا أكثر سهولة ومتعة، إلا أنها قد تزيد نسبة البطالة والعاطلين.
ونادرًا ما نجد من يتساءل عن مستقبل ملايين العمال والموظفين، مع تضاعف النهضة الصناعية والتكنولوجية والعولمة، بعد أن أصبح من الطبيعى التخلى عن عدد كبير من الوظائف، نظرًا لوجود آلة تستطيع القيام بدور الموظفين والعمال، وكلما زادت نسبة التشغيل الآلى في المصانع والشركات والمؤسسات، كلما أدى ذلك إلى سوء أحوال العمال، وبحسب إحصاءات البنك الدولي، هناك 35% من فرص العمل في بريطانيا، ستتحول بالكامل إلى أعمال آلية، لا يتدخل فيها الإنسان، ما سينتج عنه ارتفاع في نسب البطالة.
كما أن هناك خطورة أخرى من توحش التكنولوجيا، وهى ضعف التواصل بين البشر وعدم احتياجهم العاطفى بعضهم لبعض، فسنرى مثلا الحجز في فنادق تعمل بالتكنولوجيا بالكامل، والانتقال بسيارات ذاتية القيادة، والاعتماد على «الروبوتات» لتلبية أغراض جنسية وعاطفية، بدلًا من الحب والتزاوج.
وربما يتطور استخدام التكنولوجيا والتقنية الحسابية والتحليلية إلى تحليل أفكار الناس قبل البوح بها، وفى هذا فائدة يمكن من خلالها مثلا تحديد النشاط الإجرامى قبل حدوثه والتنبؤ بالجرائم قبل وقوعها، وبالمخالفين، وكذلك التنبؤ بضحايا الجريمة، ولكن رغم هذه الفوائد هناك مخاطر، حيث يمكن لهذه التكنولوجيا أن تفتح الباب أمام العنصرية والتمييز، والتحيزات ضد الأقليات العرقية والدينية، وتغيير كبير في مفاهيم لـ«البراءة» و«الإجرام» إذ كيف يمكن محاسبة شخص ما، أو التعامل معه كمجرم، لمجرد نيته في فعل الجرم، وهو لم يفعله؟ وكان ممكنًا تغيير رأيه ولا ينفذ الجريمة.
ومع ظهور تقنيات ثورية، مثل الذكاء الصناعي، والواقع الافتراضي، يجب وضع قواعد نظام اقتصادى عالمي، يوفر تأمينا لملايين البشر، الذين تستغنى عنهم التكنولوجيا، من خلال توفير دخل أساسى ثابت للناس كافة، من أجل تحقيق مفاهيم الإنسانية، فنحن أمام تحول ضخم يفوق عشرات المرات، الثورة الصناعية، والمراحل التقليدية لتطور الآلة، وصولا إلى عصر الكهرباء، ثم قفزا إلى العصر الذرى باستخداماته النووية.. فنحن أمام عصر «الروبوت» أو الرجل الآلي، والذكاء الاصطناعى وهو التطور التكنولوجى «الفظيع»، الذى لم يترك جانبًا من جوانب الحياة إلا وأصبح طرفًا فيها، فمن يقيس الطفرة التكنولوجية الجديدة، بالمراحل السابقة، مخطئون، لأن هذه المرة، توجد أدوات مختلفة وآليات جديدة بحسابات عصرية، لم تكن مطروحة من قبل، وهذه النقلة الضخمة تحتاج إلى تحول فكرى وثقافى واجتماعي لم يكن متاحًا من قبل.
ويخشى العلماء، أن يتجه مستقبل التكنولوجيا، نحو «الروبوت»، وأن يصبح أذكى من الإنسان، وبالتالى يسيطر عليه.
ومن الأفكار التى تبدو مجنونة حاليًا، لكنها قد تكون واقعية مستقبلًا، ما يعرف بشحن الدماغ من خلال سماعة توضع أعلى الأذن يمكنها شحن الدماغ بالطاقة كل فترة لتنشيط العقل وبالتالى الاستغناء عن القهوة ومشروبات الطاقة الأخري، ويعمل العلماء والباحثون من مختلف الجامعات في الولايات المتحدة، على تزويد البشر بقوة عضلية غير مسبوقة، تمكنهم من رفع الأثقال، عن طريق عضلات اصطناعية قوية أو خارقة، تسمح للروبوتات أو البشر برفع 100 مرة أكثر من الطبيعى.
كل هذه الملامح عن التطور المذهل للتكنولوجيا يضع على كاهل العلماء دراسات مستفيضة لشكل العالم في المستقبل ووضع البشر حينها.. وهل سيكونون قادة أم تابعين للروبوت، وهل سيزيد سكان الأرض أم سينخفضون لصالح اختراعات أخري؟ وهل سيكتفى الإنسان بالعيش على كوكب الأرض أم سينتشر بين الكواكب؟ أسئلة تبدو مجنونة وغير منطقية، لكنها جديرة بالدراسة والتحليل.