الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأتراك لا يتعلمون من دروس التاريخ!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدول الكبرى تتعلم من دروس التاريخ وترفض العيش في زيف الحاضر ونرجسية الماضي.. هكذا كانت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة هتلر شر هزيمة على يد الحلفاء في روسيا، وأيضا الاستعمار الإيطالى والبرتغالى والبلجيكى، بل وحتى الإنجليزي والفرنسى في شكله القديم.. كل هذا انتهى واتخذت تلك الدول أشكالا جديدة للتعاون مع غيرها أو حتى احتلالها وفق قوانين ومعطيات العصر الحديث، التى تعتمد على الاقتصاد والتكنولوجيا أكثر من أى شىء آخر.
فها هى الصين على أعتاب تصدر المشهد العالمى كأكبر قوة في العالم، بعد أن بدأت تزيح الأمريكان رويدا رويدا، الأمر الذى أصاب العم سام بهوس كبير.. وليس أدل على التفوق الصينى من ميل ميزان المدفوعات في تجارتها مع الولايات المتحدة بنحو ٣٧٠ مليار دولار لصالح الصين.. وبعد أن جن جنون الأمريكان بدأ ترامب يدخل في حرب تجارية مع الجانب الصين، عبر فرض الرسوم الضريبة، والتى قابلتها الصين بإجراءات لا تقل قوة عما تقوم به أمريكا.
ووسط هذا الهوس السياسى الذى يشهده العالم، بدأ العبث يظهر من بعد القوى التى تحلم بعودة الإمبراطوريات القديمة دون أن تملك أى أوراق حقيقية وملموسة لعودة هذه الإمبراطوريات إلى الظهور من جديد، مثلما يفعل الأتراك والإيرانيون، وحلم عودة الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية.. فالتاريخ لا يعود إلى الوراء في حالات كثيرة، وهذا ما تفهمه الدول الواعية سياسيا والتى تتسق تصرفاتها مع الواقع الذى نعيشه، في حين أن البعض يتخبط بدرجة كبيرة إيذانا بسقوط جديد كونه لا يمتلك أوراق اللعبة.. وهنا يدور الحديث عن تركيا بالذات التى لعبت أدوارا مؤلمة يشهد لها التاريخ، سواء فيما يتعلق بحرب الإبادة الشهيرة ضد الأرمن، والتى تمثل نقطة سوداء في تاريخ الدولة التركية، أو عبر بيعها فلسطين للإنجليز القرن الماضى، عندما كانت تحتل مصر وفلسطين، بل ولعبت أدوارا سيئة كثيرة دفعت حتى أبناءها للانشقاق عليها مثلما فعل محمد على الذى بنى مصر الحديثة، والذى انفصل عن الأستانة وقام بتكوين إمبراطورية بعيدة عن العثمانية.
ولم يتعظ الأتراك من تاريخهم الأسود الذى يعيه الأوروبيون تماما، لذلك رفضوا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى ولا يزالوا يرفضون حتى الآن!
ولأن السياسة التركية تغيب عنها الإستراتيجية الواضحة والعاقلة في التعامل مع العالم في زمن اختلفت فيه كل المعطيات القديمة، تعيش تركيا حالة من التخبط الشديد في سياستها.. فزعماؤها لا يجيدون لعب الأدوار بحنكة الساسة، بل يلعبونها على طريقة رعاة البقر، أو فيما يطلق عليهم (الكاو بوي).. فرغم وجود الأتراك ضمن دول حلف الناتو، ووجود أكبر قاعدة جوية للحلف على أراضيهم وهى «إنجرليك»، فإنهم يغازلون أعداء الحلف كثيرا عندما يختلفون مع الأمريكان، وليس أدل على ذلك من تعاقدهم على صفقة الصواريخ السوفيتية الحديثة S400، تلك الصفقة التى أغضبت الأمريكان ودول أوروبية كثيرة، وكذلك تعاونها مع إيران العدو اللدود للأمريكان في بعض الجوانب التى تشيط غضب الولايات المتحدة.. ويظهر هذا الأمر جليا فيما يحدث حاليا في سوريا ومهاجمة تركيا للأكراد حلفاء أمريكا في الحرب الدائرة حاليا على الأرض العربية السورية.
ولم يكن الأمريكان هم الملائكة التى تعيش على الأرض السورية الآن، بل هم الشيطان الأكبر الذى جلب الدواعش إلى المنطقة سواء في سوريا أو العراق وليبيا، ولأن الأمريكان أخذوا على عاتقهم حماية ما تبقى من الدواعش بعد أن هزمهم الجيش العربى السورى شر هزيمة، واقتربت الحرب من النهاية.. عقد الأمريكان والأتراك صفقة سرية يتم بموجبها ضمان حياة الدواعش الذين رفضت دولهم الأوروبية عودتهم إلى أراضيها مقابل إنشاء منطقة آمنة للأتراك على الحدود السورية بعمق ٣٠ كيلومترا تضمن لتركيا عدم قيام دولة كردية على الحدود السورية.
وقد تشهد موازين القوى انقلابا لصالح سوريا خلال الأيام القادمة، حال موافقة الأكراد على الانخراط في الجيش السورى لمقاومة الغزو التركى، وفى نفس الوقت وقوف الروس بقوة لمساندة سوريا.
ومع وقوع الأتراك في معارك كثيرة سواء مع جيرانها مثلما هو الحال في محاولة القرصنة على الغاز في الأراضى القبرصية، ووجود احتقان مستمر مع اليونانيين.. لم يكتف الأتراك بذلك، بل يدسون أنفهم في مشكلات مصر عبر التحالف المخفى مع قطر وإسرائيل، لوقف النهضة التى تشهدها مصر عن طريق التدخل ومساندة إثيوبيا في مشكلة سد النهضة.. ولأن العداء التركى مشهود له على مر التاريخ، نسوا أن محاولات تجويع مصر عبر حجز مياه النيل ليست وليدة اليوم، بل عمرها يفوق الثمانمائة عام، ومنذ أيام «فاسكوداجاما» البرتغالى، الذى اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، ولم تفلح هذه المؤامرات ولن تفلح لأسباب عديدة، بل سيحدث العكس وتنكسر شوكة الأتراك من جديد خلال العقدين القادمين، واللذين ينتظران تغير الخريطة العالمية بعد تراجع الأمريكان وتصدر الصين للمشهد العالمى، ووقتها سيتوارى الأتراك من جديد ويختفى الحلم الضائع بعودة الإمبراطورية العثمانية.
والله من وراء القصد.