السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت "107".. "قرطاس الكونو" وصراع الأجيال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوم شاق جدًا خالٍ من ابتسامة، وعقارب ساعة مترنحة تشير إلى الثانية عشرة مساء، وهدوء أسكت كل أصوات القرية عدا الطفل حسين، الذى ساقته الأقدار لى ليجعلنى أضحك، كما لو كان يعرف أنى بحاجة لذلك.
كان حسين يتشاجر مع جدته بصوت عالٍ، جعلنى مضطرًا للوقوف؛ لأستمع للحوار، فربما احتاج الأمر لأن أتدخل.
ناديت على حسين: «اهدأ كده وقولى الحكاية إيه؟» بخفة دم طفولية قال: «يا عم تامر ستى كلت قرطاس الكونو بتاعي»؛ البداية كانت شيقة، بالقدر الذى جعل لدى شغفًا لأن أسمع الحكاية كاملة بعدما وعدت حسين بإصلاح الأمر وشراء قرطاس آخر له.
حسين طفل عانى ويلات الانفصال بين والديه واستقر به الحال أن يعيش مع جدته لأبيه، الذى يزوره كل أسبوعين ويصطحبه إلى المدينة في فسحة عابرة، يركب فيها حسين «المرجيحة» ويأكل ويشرب عصيرًا، في هذه المرة اشترى له والده «قرطاس كونو»؛ ولأن الحدث جلل قرر حسين أن يضع «الكونو» في الثلاجة ويأكله في الصباح أمام أقرانه من الأطفال كنوع من التباهي، إلا أنه تفاجأ بعدم وجود القرطاس، بحث في كل أرفف الثلاجة لم يجد له أثرًا، فهرع إلى جدته منفعلًا يسألها فقالت له: «أنا قمت بالليل صدرى بيحرقنى قلت أشرب ميه لقيته قلت يرطب على قلبي»، ثار حسين وبكى وصار الأمر عركة كبيرة لم يفلح في تهدئتها مواساة الجدة له، فشراء قرطاس كونو ظاهرة لن تتكرر كثيرا.. ومحلات البقالة في القرية ليس فيها هذا النوع من الترفيه، لم يرض حسين بهدية جدته من بائع الجيلاتى وحجته في ذلك أنه دون شيكولاتة، فاضطرت الجدة لالتهامه حتى لا يسيح كما قالت.
حاولت قدر المستطاع فهم الأمر من حسين، وماذا يعنى هذا الكونو اللعين؟ وما الفرق بينه وبين جيلاتى عم ننوس؟ ورغم استفاضة حسين في شرح المكونات والطعم، إلا أن رد الجدة على حسين: «بأنه كلام فاضى وهو هو الجيلاتى لكن بتوع البندر بيدلعوه»، جعل حسين يرد عليها بانفعال: «خلاص يا ستى مش كلتيه يا رب بطنك توجعك».
المعضلة التى لم يفهمها حسين، رغم حل الأزمة، أن الجدة معذورة، فسنوات طويلة كان الفقر يقف لها بالمرصاد لا طعام غير المعتاد.. لا ترفيهات من أى نوع.. لا شيء في الثلاجة بعد شرائها سوى الماء.. وليس منطقيًا أن يموت جيل الجدة دون حتى أن يتذوق «الكونو» ولو خلسة دون التفكير في صاحبه، أو من وضعه في الثلاجة، فكل مشكلة بعد التذوق وترطيب القلب قابلة للحل بعد ذلك، فحسين أيامه مقبلة ويستطيع والده تعويضه، ويستطيع هو الشراء، لكن الجدة تصارع البقاء، ومن الجفاء أن يحاسبها على أكل الكونو، لكن للحق كان لزامًا عليها ألا تأكل القرطاس كاملًا، كان نصفه كافيًا؛ حتى لا تثير غضب حسين، لكن تلك هى العادة الأجيال فقط تفكر في نفسها، فلا الأب حينما اشترى فكر في أمه ولا الابن فكر في اقتسامه معها ولا الجدة وضعت في حسبانها ثورة حسين عند التهامها القرطاس كاملًا.