الخوف هو شعور إنسانى يكبح جماح النفس ويوقفها عن فعل الأشياء بعد إدراك خطورتها، ويخطئ من يضع الخوف في تضاد مع الشجاعة، فالخوف ينتج من حسابات منطقية لأفكار ومعتقدات وقوانين دينية واجتماعية، ونحن هنا لا نتحدث عن الخوف المرضى المعروف بالرهاب أو الفوبيا، فهذا يرجع إلى خلل عقلى أو نفسى حسب مدارس علم النفس المختلفة، ولا نتحدث كذلك عن الخوف عند الحيوان الذى يتكون من خلال التجربة الذاتية، وإنما نحن بصدد الحديث عن الخوف العقلانى عند الإنسان، والذى يتكون من خلال المعرفة المبنية على تجارب السابقين وقصص وحكايات الآخرين، بالإضافة إلى مجموعة العقائد والأفكار الدينية والاجتماعية المتوارثة، وأهم أنواع الخوف العقلانى على الإطلاق هو الخوف من العقاب، فلولا خوف المؤمن من عقاب الله تعالى لفشت الجريمة بين الناس، ولولا خوف غير المؤمن أو المؤمن على السواء من ردع القانون وسلطة الدولة لصارت المذابح في الشوارع وساد قانون الغاب بين البشر، وكلما تأخرت كلمة العدالة كلما عبرت النفس الجامحة حاجز الخوف واقترفت الآثام، أو كما قال الحكيم العربى القديم «من أمن العقوبة أساء الأدب»، أما من أدرك أن العقاب سيطوله في الحال فإنه حتمًا سيفكر ألف مرة قبل أن يمضى في طريق القتل أو السرقة أو النصب أو الرشوة أو أعمال البلطجة، وما يهمنا هنا هو الحفاظ على المجتمع المصرى في ظل متغيرات تكنولوجية فاقت حدود الخيال، فكم المعلومات المتضاربة والأخبار والصور والفيديوهات المفبركة يجعلك كمن يجلس في سيرك ليشاهد فقرة الساحر ممزوجة بالبهلوان، وفى زحام هذه المعلومات تضيع الحقيقة وتتلاشى، وللأسف؛ فإن الإعلام المسموع أو المرئى أو المقروء لم تعد له مكانته القديمة، فهاتفك المحمول صار جريدتك وتلفازك ونافذتك على العالم، وهو كالقنبلة الموقوتة، إذ يأتيك منه الخبر ونفيه في نفس الوقت، فتصبح بين مصدق ومكذب، ثم تتحول دون أن تدرى لأداة في يد الآخرين، ويتم العبث في أفكارك بتدعيم قيمة الشجاعة وكسر حاجز الخوف لديك، وذلك من خلال سلوك الآخرين في عالم الإنترنت؛ حيث تجد من يجرك إلى تبادل الشتائم والسباب، أى أنك تنساق معهم وما هى إلا دقائق معدودة وتحول الكيبورد إلى سلاح تطلق منه سهامك الطائشة، مستخدمًا أقذر الألفاظ وكل الشتائم التى يعاقب عليها القانون، فحاجز الخوف لديك من ردع القانون قد تم تحطيمه، ولذا فأنت تفعل ما تشاء، إذ ليس أمام من تسبه سوى أن يسبك، أما الإبلاغ عنك فيحتاج لجهد ووقت، وبعد أن يتم العبث بأفكارك وتصدير طاقة سلبية لك مع قدر من الإحباط المؤدى إلى الغضب، تتم دعوتك إلى التظاهر؛ فإذا تأكدت أن مئات غيرك سيشاركون في التظاهر؛ فإنك ستخرج معهم محتميا بهم، فإذا وجدت من يعبث بالممتلكات العامة وقد أمن العقاب فإنك ستفعل مثله، وعلى صعيد آخر، إذا قام أحد الشباب بقتل ابنك ووجدت تأخرًا في الحكم على القاتل أو تبرئته في نهاية المطاف؛ فإنك حتمًا ستنتقم بيدك لا بسيف القانون، ولمجابهة هذه الفوضى لا حل إلا بفرض هيبة الدولة وتطبيق القانون وإعلاء كلمته، وذلك بالإسراع في جميع المحاكمات والإعلان عن الأحكام وتنفيذها، ولا شك أن الإعلام المرئى والمسموع كان له دوره الكبير والمؤثر في ثمانينيات القرن الماضى، حين قدم برامج «من خلف القضبان» و«أجراس الخطر» و«من خلف الأسوار»، وحين كنا نشاهد مجرمًا تم الحكم عليه بالإعدام، وهو يرتدى البذلة الحمراء، ويحدثه الإعلامى مفيد فوزى، أو الإعلامية ملك إسماعيل، أو راوية راشد... أو غيرهم، قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام، لقد كانت هذه البرامج رادعًا للناس، وقد ساهمت في خفض معدل الجريمة؛ حيث أعلت قيمة الخوف من العقاب، وفى زمن مواقع التواصل الاجتماعي نحن بحاجة إلى كثير من هذه البرامج التى تلقى الضوء على الأحكام الرادعة لمرتكبى الجرائم، ونحن بحاجة أيضا إلى ضبط الشارع المصرى بالتواجد الأمني وبنشر الكاميرات في كل مكان، هذه الكاميرات التى تدفع السائق الآن لاحترام الإشارة في كل وقت وحين، خوفًا من الغرامة، فقتل الخوف فينا سيؤدى إلى تدمير المجتمع، ولذا فإن الحرب الإلكترونية الحديثة تعمل على ذلك، وهى تزرع فيك قيمًا وافدة من مجتمعات أخرى كعدم احترام الكبير واستخدام الشتائم في الحوار، والحقيقة يا سادة التى يجب أن نعترف بها أننا لم نكن على استعداد لهذه المعركة فخسرناها في 2011، وما زالت الحرب مستمرة ما بين عقول تعى ما تفعل وما بين متلقين أغلبهم من الجهلاء، وقد هالنى هذا الكم من الشباب الذى يدخل صفحات الإلحاد على فيس بوك، وفى أقل من نصف دقيقة تجده قد استسلم للأفكار المطروحة أمامه، ونفس الشىء يتم مع أعداء الدولة المصرية، ولهذا فشىء من الخوف «مايضرش»، كما جاء على لسان أحد أبطال رواية «شىء من الخوف» للأديب الراحل ثروت أباظة، فالمجتمع الآن يحتاج لشىء من الخوف.
آراء حرة
شيء من الخوف
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق