في كل مرة يخاطب فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي المصريين عبر المنابر المختلفة، يلخص رسائله المتعددة في التأكيد أن معركة الوعى هى أم المعارك التى على المجتمع بأسره خوضها.
ورغم كل ما حققته الدولة المصرية من إنجاز سواء على صعيد الأمن الداخلى، بفرض هيمنة القانون، أو على صعيد الجاهزية العسكرية بإعادة بناء جيش هو الأقوى إقليميا؛ إلا أن الرئيس دأب على التحذير من الوقوع في شرك مخططات الداخل والخارج، لأنها باتت تستهدف عقل ومشاعر المصريين عبر توظيف أدوات التدليس ونشر الأكاذيب واصطناع حالة ثورية زائفة.
خلال الندوة التثقيفية الـ 31 للقوات المسلحة، بعث الرئيس عدة رسائل لطمأنة المصريين بشأن ملفات سد النهضة، ومصالحنا الحيوية في البحر المتوسط، وأمننا القومى في ليبيا وسوريا وعموم المنطقة؛ وأكد بعبارات جازمة أننا نمتلك جيشا قادرا لا يجرؤ بفضله عدو أو خبيث الاقتراب من حصوننا أو مس مصالحنا وحقوقنا التاريخية.
ليس ذلك فحسب؛ فقد أكد أيضا أن الدولة المصرية وبما تتمتع به من ثقل ووزن إقليمى ودولى لديها من أدوات الدبلوماسية والسياسة ما يجعلها تمتلك عدة سيناريوهات لحلحلة كل الأزمات وفى القلب منها أزمة التوصل إلى اتفاق عادل حول شروط تشغيل وملء خزان سد النهضة مع إثيوبيا.
ومع كل ذلك شدد الرئيس على أن مكامن القوة الحقيقة تتركز في وعى المصريين، لأنهم وحدهم القادرون على حماية وطنهم وبأيديهم قد يتسببون في ضياعه إذا هزموا في معركة الوعى.
تأكيد الرئيس في أغلب المناسبات على خطورة معركة الوعى يعكس إدراكه بأننا بتنا إزاء حرب لا تستخدم فيها الدبابات والمدرعات والصواريخ، وإنما تلعب فيها تكنولوجيا الاتصالات الحديثة الدور الأكبر عبر توظيف مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات لإطلاق قذائف الشائعات والأكاذيب.
وقد برعت هذه الأسلحة في توجيه قذائفها بتغليفها ضمن قوالب فكرية متعددة، بحيث تستطيع التأثير في اتجاهات الجمهور باختلاف انتماءاته وآرائه الاجتماعية والسياسية والدينية.
في ذات السياق، أشار خبير الأمن المعلوماتى ومدير مركز البحوث التكنولوجية بالجامعة البريطانية، الدكتور محمد الجندى خلال كلمته في الندوة التثقيفية الـ31 إلى دخولنا مرحلة حروب الجيل الخامس، والتى تختلف عن حروب الجيل الرابع في توجيه سهام الشائعات والتشكيك إلى المؤسسات والكيانات التى تتمتع بمكانة خاصة لدى الشعوب المستهدفة؛ وهو ما شهدناه خلال الأسابيع الماضية، عندما حاول دعاة الفوضى بث سموم الفتنة بين الشعب المصرى والجيش لولا متانة جدار الثقة والمصداقية بينهما.
غير أن أخطر ما في رسائل التشكيك، منح أصحابها صفة المعارضين للنظام السياسى المصرى، وكأننا إزاء تجاذبات سياسية طبيعية بين حزب حاكم ورموز معارضته.
وقد ساعد على ترويج هذه الصفة الممنوحة لأعداء الدولة وجود شخصيات كانت تصنف كنشطاء معارضين لنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بل إن منهم أيضا من كان يبدو في العلن معارضا لحكم جماعة الإخوان الإرهابية.
وفى المقابل لم ينزع جانب من النخبة الثقافية والسياسية هذه الصفة عن أولئك المناهضين والمعادين للدولة، لأسباب متعددة منها ما هو شخصى يتعلق بصلات صداقة أو زمالة أو مصالح ترجع إلى سنوات ماضية، غير أن البعد السياسى يشكل سببا رئيسيا فلا يزال جانب من هذه النخبة يخشى إعلان رأيه الحقيقى في أن هؤلاء قد صاروا أعداء للوطن، إما لكونهم ينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية، وإما لأنهم من التيار المدنى الذى دخل في علاقة حرام مع هذه الجماعة؛ حتى لا يقال عنه إنه من منافقى السلطة.
وهذا ما يفسر المقولة المغلوطة، بأن معارضى السيسي داخل السجون سواء من الإخوان أو رموز ما يسمى بـ«التيار المدنى».
هذا الخلط الكبير في المفاهيم وعدم ضبط المصطلحات للتمييز بين المعارض لسياسات الحكم والمناهض للدولة تسبب في عدم تجديد وتطوير الخطاب السياسي؛ فرغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على سقوط نظام مبارك، لا يزال بعض المعارضين يستخدمون الخطاب الثورى الذى اعتادوا عليه في زمن مبارك، لذلك فشل هؤلاء في إيجاد موطئ قدم لهم داخل الحياة السياسية.
لذلك؛ فإن أحزاب المعارضة الوطنية مدعوة للعمل على تجديد الخطاب السياسى وتطويره، وأظن أن حزب التجمع بما يمتلكه من نضج ووعى سياسي، عكسه البيان الصادر في 21 سبتمبر الماضى، تعقيبا على دعاوى الفوضى، معنى بهذه المهمة كونه يقدم نموذجا للمعارضة اليسارية الشريفة في مقابل بعض الجماعات اليسارية التى اختارت طوعا التحالف من الشيطان الإخوانى.
لا سبيل لانتصارنا في معركة الوعى إلا عبر معارضة واعية وإعلام ناضج، فالأولى تستطيع بتنوع خلفياتها السياسية والإيديولوجية النفاذ إلى المجتمع المتعدد بطبيعته في تصوراته ومشكلاته وشرائحه، عندما تدخل في حوار مع الحكومة، يبرز من خلاله ما تؤيده وتتفق معه من سياسات وإنجازات وما تعارضه أو ترغب في إصلاحه.
أما الإعلام الناضج الذى يميز بين المعارض والمناهض يستطيع منح هذه الحاله الحوارية بين الحكومة والأحزاب السياسية سواء معارضة أو مؤيدة درجة أكبر من الحيوية، ويساعد على تقوية عضلات الحكومة عندما تفند آراء المعارضة في سياساتها أو تستجيب لبعضها فتتدارك جوانب النقص والقصور.
أظن أن الدولة تدرك أنها لن تستطيع إدارة معركة الوعى منفردة بعيدا عن دور الأحزاب السياسية المؤيدة والمعارضة، والمجتمع المدنى، والإعلام، على أن يعى هذا الأخير أن مبدأ حرية الرأى والرأى الآخر لا تنطبق إلا على من ينطلق من أرضية وطنية تحت مظلة الدستور والقانون وفى إطار النظام السياسى للدولة، وأن كل رأى معاد للدولة، أو داع لأفكار هدامة وظلامية لا مكان له إلا في سياق محاربته بكل الوسائل المهنية والفكرية.
في رأيى أن الدولة التى تحارب أجهزتها الفساد الإدارى والمالى في كل المؤسسات تحتاج إلى إعلام يعاونها في هذه المهمة حتى يكتمل لنا النصر في معركة الوعى.