تأخر إنتاج الأعمال الدرامية عن ملاحم وبطولات رجال الجيش المصرى في حروبهم مع إسرائيل نحو نصف قرن.. سوى بعض الأعمال التى لا ترتقى لمستوى تلك التضحيات والبطولات.. وجاء فيلم الممر ليجدد ويعيد الأمل في أن تخرج تلك الملاحم الأسطورية لجنود مصر البواسل إلى النور.. تكريمًا لأبطالها وإحياء لذكراهم.. ولإيقاظ الروح الوطنية لدى المصريين.. وترسيخ الانتماء للوطن عند الشباب.
تلك الأحداث التى أصبحت ماضيا وتاريخا بالنسبة لأبناء العقود الأربعة الأخيرة.. يجهلها الكثير منهم.. لا يعرفون عنها إلا ما قيل لهم عنها.. من أقاربهم الذين شاركوا فيها أو عاصروها.. هذا الجيل الذى ترعرع وشب على أفلام المقاولات والانحطاط.. والتى انحرفت بهم إلى سلوكيات غريبة عن مجتمعنا المصرى، الذى كان متمسكا بقيمه ومبادئه وعاداته وتقاليده.. فغابت تلك المبادئ والقيم.. وتغيرت العادات والتقاليد.. وضعف الانتماء للوطن.. وفترت مشاعر الوطنية.. وتغيرت الشخصية المصرية.. وأفرزت اسوأ ما فيها.
إن أغلب شباب اليوم يجهل تلك الأحداث التى مرت على مصر.. ولا يعلم أن حرب العاشر من رمضان 1393 هـ.. هى حرب 6 أكتوبر 1973 م.. بل إن معظم المصريين شبابا وشيابا.. يجهل الفرق بين المدمرة إيلات التى أغرقتها القوات البحرية المصرية في البحر الأبيض المتوسط أمام مدينة بورسعيد في 21 أكتوبر 1967.. بعد أربعة أشهر من الهزيمة.. والعمليات الثلاث التى تم فيها الهجوم على ميناء إيلات وتفجيره وإغراق 4 سفن حربية كانت ترسو به.. العملية الأولى في 16 نوفمبر 1969.. والعملية الثانية في 5 و6 فبراير 1970.. والعملية الثالثة في 14 و15 مايو 1970.
وعقب نصر أكتوبر تم إنتاج بعض الأفلام، والأعمال الدرامية حول حروبنا مع إسرائيل.. ولكنها لا ترتقى إلى مستوى وحجم الحدث.. وتلا ذلك فترة حكم الرئيس حسنى مبارك والتى امتدت لأكثر من ثلاثين عاما.. تم خلالها حجب كل هذه البطولات.. وتركيز نصر أكتوبر في الضربة الجوية.. التى قادها الرئيس مبارك.. عندما كان قائدا للقوات الجوية وقت الحرب.
لقد كانت الضربة الجوية في حرب أكتوبر جزء أساسيًا من أسباب النصر.. وليست سببا وحيدا لهذا النصر.. فهناك البطولات الخرافية والأسطورية لجميع وحدات الصاعقة، وعلى رأسها بطولات وملاحم المجموعة 39 قتال بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعي.. عميد شهداء مصر.. وبطولات البحرية المصرية.. والمدفعية التى كان لها دور أساسى في التمهيد للنصر.. جنبا إلى جنب مع سلاح الجو.. وبطولات الدفاع الجوى الذى قطع يد إسرائيل الطولى المتمثلة في سلاح طيرانه.. الذى يضم أحدث ما أنتجته الولايات المتحدة من طائرات وصواريخ.
ولا يجب أن نخطئ مرة زخرى.. بأن نختزل بطولات وملاحم الجيش المصرى في أعمال المجموعة 39 قتال.. كما أخطأنا من قبل بحصرها في الضربة الجوية.. فجميع وحدات الصاعقة قامت بملاحم وبطولات خارقة في مواجهة العدو وخلف خطوطه.. وأبطال المدرعات صدوا هجمات الدبابات والمدرعات الإسرائيلية.. ودمروها وحيدوها خارج العمليات القتالية.. وكل من شارك في الحرب له بطولات وأعمال خالدة.. حتى الشعب المصرى نفسه.. كان على مستوى الحدث.. حيث اختفت الجرائم.. وتوحد الجميع خلف جيشهم.. داعمين له مباركين خطواته وانتصاراته.
لقد طالبت وما زلت أطالب بالإفراج عن تلك البطولات والملاحم.. التى تعد غذاء الانتماء للوطن وبعث للروح الوطنية لدى جميع المصريين.. والتمسك بالأرض التى ارتوت بدماء رجال قل أن يجود بمثلهم الزمان.. ومثل تلك البطولات والملاحم عندما تتحول إلى أعمال درامية وأفلام.. يقبل عليها جميع أفراد الشعب.. أكثر مما يقبلون على أفلام العرى والمخدرات.. وتوقظ في الشباب روحهم الوطنية وشعورهم بالانتماء لهذا الوطن الغالى علينا جميعا.
وأتمنى ألا يقتصر إبراز هذه البطولات على الشاشات.. الكبيرة والصغيرة.. إنما يتم تدريسها في جميع المراحل التعليمية.. ليعرف النشء ماضيهم وتاريخهم المشرف.. ويتعلمون حب الوطن والانتماء إليه.. فيتفوقوا في دراستهم وعلومهم.. ليكونوا لبنات صالحة في بناء هذا الوطن.
لقد نجحت تجربة فيلم الممر.. في إيقاظ الشعور بالانتماء للوطن.. والفخر بهؤلاء الأبطال، الذين لم تكسرهم خسارة جولة من جولات الحرب.. وردوا للعدو الضربة ضربتين وأكثر.. وفتحت شهية كثير من الكتاب والمنتجين.. لإنتاج أعمال درامية وأفلام حول تلك الفترة من تاريخنا المجيد.. وأتمنى أن يراعى من يتصدى لمثل هذه الأعمال.. أن يتلافى الملاحظات والمآخذ التى أخذت على فيلم الممر.. فتلك الأعمال.. لا بد أن تكون جادة وصارمة.. لتتطابق مع واقع هذه الأعمال.. التى كان يتم فيها بذل الروح والدم والعرق لتحرير الأرض وحماية العرض.