الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

علي باشا إبراهيم الأول دائما

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أيام قليلة حلت ذكرى ميلاد واحد من علماء مصر الأجلاء، على باشا إبراهيم، الذى ولد في ١٠ أكتوبر ١٨٨٠، ومن أوائل الجراحين المصريين، وأول عميد مصرى لكلية طب قصر العينى، انتخب لعضوية مجلس النواب، واختير عميدا لكلية الطب عام ١٩٢٩ ليكون أول عميد مصرى لكلية طب قصر العينى وقد فتح الباب أمام الفتيات المصريات لدراسة الطب.
وفى يناير ١٩٣٠ ألف الجمعية الطبية المصرية عقب اجتماع دعا إلى عقده وزملاؤه الذين أصدروا المجلة الطبية المصرية، وفى ٢٨ يونيو ١٩٤٠ عيّن وزيرا للصحة في وزارة حسن صبرى باشا، وفى سبتمبر ١٩٤١ (بعد خروجه من الوزارة مباشرة) عين مديرًا لجامعة فؤاد الأول، وأسس نقابة أطباء مصر عام ١٩٤٠، وكان أول نقيب لأطباء مصر.
تقول المعلومات المتوافرة عنه في «الموسوعة الحرة»، إن الدكتور على إبراهيم ولد في مدينة الإسكندرية وكان والده إبراهيم عطا رجلا عصاميا شهما يتمتع بقسط وافر من علو النفس وقوة البنية حتى بعد أن تجاوز الثمانين من عمره. 
تلقى تعليمه الابتدائى في مدرسة رأس التين الأميرية حيث حصل على الشهادة الابتدائية سنة (١٨٩٢) وكان ترتيبه الأول. وانتقل إلى القاهرة لاستكمال تعليمه بعد أن أغلقت مدرسة رأس التين الثانوية أبوابها، وهناك التحق بالقسم الداخلى من المدرسة الخديوية بالقاهرة وظل طيلة سنوات الدراسة الثانوية الخمس مجدا في دراسته إلى أبعد الحدود عاملا على الاستزادة من حقائق العلوم والتغلغل في أسرارها وقد راقته فروع العلوم الرياضية ولاقت في نفسه قبولا واستحسانا وكان شغفه للمزيد من البحث والدراسة يجعله يستعير كتب مدرسة الطب التى تتحدث في بعض هذه العلوم بشىء من التفصيل مما أتاح له فرصة أن يكون قاعدة أساسية في كل من هذه العلوم، وحصل على المركز الثانى في البكالوريا سنة ١٨٩٧.
التحق على إبراهيم بمدرسة الطب فأصبح طالبا من الاثنى عشر الذين ضمتهم دفعته ومن الستة والعشرين الذين تقوم عليهم مدرسة الطب بسنواتها الست سنة ١٨٩٧، وعلى الرغم من أن مدرسة الطب كانت في ذلك الوقت تعانى الكثير من التدهور فإن الطالب على إبراهيم استغل قلة عدد الطلاب وما ترتب على ذ لك من جو مشجع على الدراسة والمناقشة والبحث ومراجعة الأساتذة والمعامل واستطاع أن يحصل العلم خير تحصيل وظل طيلة الفترة التى قضاها في معاهد الدرس شخصية مرموقة بين الطلاب بعلمه وعمله وخلقه ولم يكن في حاجة إلى بذل كل هذا الجهد للاحتفاظ بالأولوية ولكنه كان يجتهد إلى الحد الذى جعله في مصاف الأساتذة وهو طالب.
وفى مدرسة الطب تعرف على العلامة المصرى الكبير الدكتور عثمان غالب (وهو أول من كشف عن دورة حياة دودة القطن كما أن له بحوثا عالمية في علوم البيولوجيا) حيث تعلق به وصار يلازمه بعد انتهاء وقت الدراسة فيصحبه إلى بيته ويقضى معه الساعات الطوال يتكشف دقائق أبحاثه وجلائل دراساته. كما تتلمذ على إبراهيم على يد الدكتور محمد باشا الدُرى شيخ الجراحين في الجيل السابق لعلى إبراهيم كما أخذ عن الدكتور محمد علوى باشا وهو أول الباحثين في أمراض العيون المتوطنة وسيد الإكلينيكى فيها وصاحب الفضل على الجامعة المصرية القديمة.
وفى السنة النهائية من كلية الطب عين على إبراهيم مساعدا للعالم الإنجليزي الدكتور سيمرس وهو أستاذ الأمراض والميكروبات وتقرر له راتب شهرى عن وظيفته هذه مما أكسبه خبرة وتدريبا قل أن يتوافر لطالب وبذا تكونت له في مرحلة مبكرة شخصية العالم الباحث المحقق.
وكانت سنوات الدراسة في مدرسة الطب حين التحق بها على إبراهيم ست سنوات ولكن الحكومة رأت أن تختصرها إلى أربع فقط، وتم تطبيق هذا القرار في سنة تخرج على إبراهيم حيث كان أول دفعته عام ١٩٠١ وقضى الدكتور على إبراهيم العام الأول بعد تخرجه في مساعدة أستاذه الدكتور سيمرس في أبحاثه العلمية مما جعله مستوعبا لعلمى الأمراض والميكروبات وملما بأدق تفاصيلها وأحدث الاكتشافات فيهما حيث ساعده ذلك فيما بعد.
وفى عام ١٩٠٢ انتشر وباء غريب في قرية موشا بالقرب من أسيوط وحارت مصلحة الصحة في أمر هذا الوباء وانتدبت الدكتور على إبراهيم للبحث عن سببه وهنا ظهرت الفوائد العملية الحقيقية لدراسات على إبراهيم المتعمقة إذ لم يلبث فترة قصيرة إلا وتوصل إلى حقيقة الداء وقرر أن الوباء هو الكوليرا الأسيوية واستطاع أن يدرك أن مصدر هذا الوباء هو الحجاج الذين حملوا معهم ميكروبه وبعث على إبراهيم بقىء المرضى إلى مصلحة لتحليله فردوا عليه بأن القىء خال من ميكروب الكوليرا فلم يكن منه إلا أن أرسل إليهم مرة ثانية ليعيدوا تحليله وكان قرار الطبيب الشاب موضع مناقشات طويلة انتهت برجوح كفته والاستجابة لمقترحاته في اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمرض قبل انتشاره بالصورة الوبائية.
وفى أوائل سنة ١٩٤٦ ابتدأت صحة على باشا إبراهيم في الاعتلال فكان كثيرا مايلزم بيته ويعتكف عن عمله وكان يحس إحساسا شديدا بدنو أجله، فلما كان يوم الثلاثاء السادس الموافق الثامن والعشرين من يناير سنة ١٩٤٧ حيث تناول غذاء خفيفا ثم ذهب في النوم حتى إذا كانت الساعة الخامسة أفاق من نومه وهنا صعدت روحه إلى بارئها. وفى اليوم الثانى خرجت جموع الشعب فأدت صلاة الجنازة على فقيدها العظيم خلف الأمام الأكبر الشيخ مصطفى عبدالرازق.
قال عنه شاعر النيل حافظ إبراهيم:
هل رأيتُم موفقًا كعليٍّ/ في الأطباءِ يستحقُّ الثناءَ
أودعَ اللهُ صدرَهُ حكمةَ العلمِ/ وأجرى على يديهِ الشفاءَ
كم نُفُوسٍ قد سلَّها من يدِ الموتِ/ بلُطفٍ منهُ وكم سلَّ داءَ
فأرانا لقمانَ في مصرَ حيًا/ وحَبانا لكُلِّ داءٍ دواءَ
حفظَ اللهُ مبضعًا في يديهِ/ قد أماتَ الأسى وأحيا الرجاءَ