السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواجهة مشروع أردوغان بين التأسيس والتسييس (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نوايا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من غزو شمال شرق سوريا ليست بريئة، كما أنه لا يمكن تبرئة سلوكه الذي انحاز فيه للتنظيمات المتطرفة، سلوكه المعتدي فيه على دولة عربية مجاورة يتسق مع سلوكه العام وسياساته التي تصب في نفس الاتجاه؛ فأردوغان يعتبر نفسه حامي حمى الإسلام، وأنه جاء ليعيد الإمبراطورية العثمانية من جديد.
مشروع أردوغان قائم في الأساس على دعم جماعات العنف والتطرف والتي استضاف الكثير منها على الأراضي التركية ومازال يُقدم لها الدعم؛ فضلًا عن دعمه للجماعات المتطرفة والمتمردة الأخرى مثل هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقًا وغيرها في الداخل السوري.
لم يقتصر دعم أردوغان على هذه التنظيمات المتطرفة فقط، وإنما ذهب لتقديم الدعم لتنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية "داعش" سواء من خلال توفير ملاذ آمن لهذا التنظيم المتطرف، والذي عبر إلى الأراضي السورية عبر حدوده الممتدة إلى الداخل السوري ولعل أشهر هذه المعابر ما يؤدي إلى مدينة تل أبيض، حتى نجح "التنظيم" في إقامة دولته المزعومة في العراق والشام متخذًا الرقة عاصمة له وسط صمت ودعم من قبل النظام السياسي في تركيا.
لم يقتصر دعم أردوغان لتنظيم "داعش" بمجرد السماح له بالعبور لمناطق الصراع في سوريا عبر أراضيه، وإنما نجح في بقائه على قيد الحياة عندما اشترى منه البترول الخام لتدخل الأموال التركية في خزينة "داعش" لينفق منها "التنظيم" على عملياته الإرهابية داخل الحدود العراقية والسورية، ويقدم الدعم لما أطلق عليه ولاياته، وهي فروع "التنظيم" في الخارج.
لم يقتصر دور أردوغان ومشروعه على مجرد تقديم الدعم لهؤلاء المتطرفين قبل أن تسقط مملكتهم المزعومة في 22 مارس من العام 2019، وإنما ظل يقدم الدعم اللوجستي لهذا "التنظيم" حتى قرر تنفيذ عملية عسكرية برية على الشمال السوري، هدفها غير المعلن هو تحرير هؤلاء الدواعش من قبضة قوات سوريا الديمقراطية وليست مواجهة الإرهاب.
لمن لا يعرف بعد انتهاء معركة "داعش" التي لم تنته في حقيقة الأمر، أصبح المجتمع الدولي أمام أزمة كبيرة ترتبط بالمقاتلين التابعين لهذا التنظيم، والذين أصبحوا في قبضة قوات الحماية الكردية، سواء المقاتلين العرب أو الأجانب، ورفضت دول أوروبا استقبال مقاتليهم مع هذا "التنظيم" حتى صار هؤلاء عبئًا على هذه القوات التي لم تعد قادرة على حماية السجون التي يقبعون فيها ولا حماية حتى العرب الذين انضموا للتنظيم المتطرف، نظرًا لإمكاناتهم العسكرية المتواضعة.
وهنا تحرك أردوغان بعمليته العسكرية في محاولة لتحرير هؤلاء الدواعش من السجون السورية والبالغ عددها قرابة سبعة سجون بعضها يقع في المنطقة الآمنة والتي يصل طولها ما بين 20 إلى 30 كيلومترًا، وبقيتها يقع موزعًا في بقية المدن والبلدات السورية ويُشرف عليها الأكراد.
بعد ساعات قليلة من العملية العسكرية التي قام بها أردوغان فوجئنا وسط صمت دولي بهروب بعض هؤلاء الدواعش من السجون! كما وجدنا القذائف التركية لا تعرف طريقها إلا لهذه السجون بهدف تحرير هؤلاء الدواعش أو المدنيين الذين لا ذنب لهم ولا جريرة في أي إشكال سياسي أو عسكري غير أنهم جنس غير عربي.
معركة أردوغان ضمن مشروعه الكبير، الذي ساعده وما زال يساعده فيه الإخوان المسلمين في سوريا، فعندما دخل الرجل بقواته كان ذلك عبر قرية بئر عاشق، حيث يتواجد في هذه القرية الإخوان المسلمين السوريين، الذي قدموا دعمًا له واستقبلوه استقبال الفاتحين، كما أنهم ساعدوه عسكريًا، شاركه في العملية الجيش السوري الحر، الموالي له وعدد من قياداته من الإخوان المسلمين أو على نفس مشروعهم، وهنا نجح أردوغان في تطويع الجميع ضمن مشروعه.
مشروع أردوغان قائم على الإقصاء فهو يهدف إلى تغيير ديموغرافي في المنطقة التي يتواجد فيها غير العرب مثل الكرد والسريان والأرمن وغيرهم، كما أن قرى بأكملها فيها مسيحيون، فهو يريد السيطرة الكاملة على هذه القرى ليست مجرد سيطرة عسكرية فقط وإنما سيطرة فكرية وأيدولوجية حتى أن يكون لسكانهم حق تقرير المصير.
مما يدلل على نوايا أردوغان التي تحولت لسلوك متطرف تشهده المنطقة وسط صمت دولي أنه يُحارب قوات سوريا الديمقراطية التي سبقت ودحرت تنظيم "داعش" من أجل الإفراج عن سجنائهم، ثم يخرج للعالم بعد ذلك مدعيًا بالباطل أن الهدف الأساسي من العملية العسكرية نبع السلام هو محاربة إرهاب، فأي إرهاب يحاربه وهو يحارب من واجهوه.
دبت الفوضى في المناطق التي تُسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية مع بداية العملية التركية، حيث بدأت الخلايا النائمة التابعة لتنظيم "داعش" في تنفيذ العمليات المسلحة في الداخل دعمًا لأردوغان وقواته التي دخلت من أجل تحرير هؤلاء الدواعش.
نجح أردوغان في تسييس مشروعه القائم على دعم الجماعات الدينية المتطرفة داخل وخارج تركيا، ولذلك يسعى جاهدًا لإعادة إنتاج تنظيم "داعش" من جديد، بعدما قدم دعمًا موصولًا لكل التنظيمات المتطرفة بدءًا من الإخوان المسلمين ومرورًا بتنظيمات محلية مثل هيئة تحرير الشام وانتهاءً بتنظيم "داعش".. وللقصة بقية.