فى ذكرى السادس من أكتوبر كل عام، تستشعر وكأنك على الجبهة، تهتف مع الأبطال وتردد عبارات النصر، وترتفع حرارة الوطنية فى عروقك، وينتصب شعر رأسك وكأنك تحمل السلاح وتقاتل وسط هؤلاء الأبطال، الذين عبروا الموانع المستحيلة، وكانوا على قدر ما توقعت منهم مصر، ونجحوا فى تحقيق نصر مبين فى ساعات قليلة، بقوة وصلابة أذهلت العالم، ليؤكدوا أن هذا الشعب عصى على الانكسار والهزيمة وقادر على حماية حدوده واسترداد أرضه.
تمامًا، وكما كانت تلتف الأجيال السابقة فى سبعينيات القرن الماضى حول التلفاز لمشاهدة فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبي» الذى تم إنتاجه سنة ١٩٧٤، أو فيلم «إعدام ميت» فى الثمانينيات، والذى تم إنتاجه سنة ١٩٨٥، التف الجميع - كبارا وصغارا - حول التلفاز فى ذكرى احتفالات أكتوبر هذا العام - لأول مرة - حول فيلم جديد يعيد لدراما الحرب عافيتها.
حالة من الترقب والانتظار فى منازل المصريين طوال اليوم، انتظارًا للعرض الأول لفيلم «الممر»، الذى لم يخيب الآمال، وإنما قدم وجبات وطنية خالصة الدسم، وجعل الجميع لا يحركون ساكنًا أمام أجهزة التلفاز، حيث الحبكة الدرامية القوية، والأداء المميز للأبطال «أحمد عز، وأحمد فلوكس، ومحمد فراج، ومحمود حافظ، ومحمد جمعة، وأحمد صلاح حسني».
الفيلم قدم لأطفالنا وصغارنا دروسًا فى حب الوطن، وسطر قصص الأبطال من قواتنا المسلحة، الذين صانوا الأرض والعرض، وأعادوا بدمائهم الذكية أرض الفيروز.
العديد من العبارات التى أداها الفنانون بقوة وإحساس عال أثناء مشاهد الفيلم، ستظل محفورة هذه المقاطع فى عقول الجميع، خاصة عندما قال القائد لجنوده: «البسوا المموه بيخافوا منه» فى إشارة منه للعدو الإسرائيلي، ومنها رد الجندى على قائده لمعاتبته على التعامل المباشر مع طائرات العدو بسلاحه الشخصى مما يمثل خطورة على حياته، حيث رد الجندى: «يا فندم مش المهم إنى أوقع طيارة ولا اتنين، المهم إن اللى فى الطيارة يكون شافنى وأنا واقف قدامه مخايفشي، وهيروح يبلغ زمايله إن المصريين مش جُبنة، واقفين مستنينا ومش هايبينا، وده سلونا فى الصعيد سعادتك، تقف لغريمك عينك فى عينه، ويبقى عارف إنك هتاخد بتارك منه مهما عدت الأيام».
هذا المشهد العبقرى هز أحاسيس الجميع، وتفاعلوا معه باختلاف ردود أفعالهم ما بين التصفيق ودموع الفرحة فى عيون البعض الآخر.
حالة من الرضا عن هذا العمل الوطنى انتابت الجمهور المصرى بمختلف فئاته، إلا أننا لاحظنا أنه فى وسط حالة الرضا هذه فئة ضالة من المجتمع انتابتها حالة من الهستيرية النقدية المحمومة تجاه هذا العمل مستنكرين كيف قام القائمون على تنفيذه بتمجيد الجيش المصرى وأفراده بهذا الشكل الذى رأوه مبالغا فيه وغير حقيقى.
فى الحقيقة لقد تفوقت هذه الفئة الضالة فى هجومها على الجيش المصرى على هجوم الإسرائيليين أنفسهم وهو أمر ليس بغريب عنهم ومتوقع ويذكرنا بسنوات طويلة ماضية مر عليها أكثر من ٥٠ عامًا.
فبعد نكسة ٦٧ واحتلال إسرائيل الضفة الغربية والجولان وغور الأردن بجانب سيناء الذى استمر احتلالها ٦ سنوات، وجدنا المصريين يهبون من وسط حالة الحزن واليأس والإحباط بتشكيل مقاومة شعبية رائعة، بجانب عمليات الجيش التى نفذها ضد عدد من الأهداف الإسرائيلية فى سيناء وفى قلب إسرائيل مثل إيلات، وهو ما كبد الإسرائيليين خسائر فادحة، فيما يسمى بحرب الاستنزاف، التى مهدت لانتصار أكتوبر العظيم، وقتها قامت فئات الشعب المختلفة بالانخراط فى هذا العمل القومى إلا تلك الفئة الضالة.
فكل المعلومات الموثقة بالأدلة الدامغة أكدت أن جماعة الإخوان لم تشارك فى عملية مقاومة واحدة ضد الاحتلال الإسرائيلى، سواء فى سيناء أو السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وهى المحافظات التى انطلقت منها المقاومة الشعبية ضد المحتل.
ونأخذك عزيزى القارئ إلى تفاصيل الحقيقة، ونعيد ما قاله قائد المقاومة الشعبية فى السويس، حافظ سلامة الذى نفى أكثر من مرة فى تصريحات تليفزيونية وصحفية، أن يكون لجماعة الإخوان أى دور فى مقاومة المحتل الإسرائيلى، أو الدفاع عن السويس، وباقى مدن القناة، متحديًا أن يكون للجماعة دور حتى فى حرب أكتوبر المجيدة، وأوضح سلامة أن السويس أثناء الحرب لم يدخلها إلا سكان السويس أنفسهم، وكانت المدينة وقتها منطقة عسكرية لا يمكن دخولها إلا بأمر من الحاكم العسكرى وقتها.
ولم يكن موقف جماعة الخسة والحقارة والإرهاب من عدم المشاركة فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى بسيناء، والمنطلقة من السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وإنما رفض الإخوان، وجناحهم المسلح، بشكل واضح، المشاركة فى المقاومة الشعبية فى بورسعيد ومدن القناة ضد العدوان الثلاثى فى ٥٦، على اعتبار أن ذلك كان سيعتبر دعمًا لحكم ضباط ثورة يوليو.
الأخطر، أن قيادات وأعضاء الجماعة، أقاموا الأفراح وليالى الملاح، ابتهاجًا بهزيمة مصر المريرة فى ٦٧ واعتبروها «عقابًا سماويًا انتقامًا لحملة حكومة ثورة يونيو ٥٢ ضد الجماعة».
إبرازنا لخيانة الجماعة وعدم مشاركتها فى المقاومة الشعبية ضد عدوان ٥٦ ثم ضد إسرائيل فى سيناء عقب نكسة ٦٧ ولمدة ٦ سنوات، بل سجدوا شكرًا لله على هزيمة مصر، ثم عدم مشاركتهم فى انتصار أكتوبر ١٩٧٣.. تأسيسًا لاعترافات قيادات وأعضاء الجماعة، وأيضًا أبطال المقاومة، وليس من اجتهادنا واختراعنا.
ونأتى للدليل الداعم والقوى الذى لا يقبل الشك، عن عدم مشاركة الإخوان فى مقاومة إسرائيل وفرحتهم الشديدة فى هزيمة مصر وانكسارها فى ٦٧ والذى ورد على لسان مرشدها العام الدكتور محمد بديع فى رسالته الأسبوعية فى يونيو عام ٢٠١١، التى واكبت ذكرى النكسة بقوله: «بعد كل تنكيل بالإخوان كان الانتقام الإلهى سريعًا، فعقب اعتقالات ٥٤ كانت هزيمة ٥٦، وبعد اعتقالات ٦٥ كانت الهزيمة الساحقة فى ٦٧».
ونسأل من جديد، هل هناك خيانة لجماعة أو تنظيم أو أفراد فى مكان على هذا الكوكب مثل التى ترتكبها جماعة الإخوان، وباعترافاتهم المكتوبة والواردة على ألسنة قياداتهم؟!
الحقيقة الوحيدة، أن عقيدة الإخوان ورفاقها داعش والقاعدة والنصرة، هى الجهاد فى بلاد المسلمين، ومحاربة الجيوش المسلمة التى تنطق بالشهادة، وتدمير ممتلكاتهم، وتخريب منشآتهم العامة، واغتصاب نسائهم، وبيع بناتهم فى سوق النخاسة، والتنكيل بأطفالهم وشيوخهم.. بينما يتركون دول الكفر والإلحاد، من وجهة نظرهم أيضا، يستتب فيها الأمن والأمان والاستقرار وتتقدم وتزدهر، وأبرزها إسرائيل.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.