يُخطئ من يعتقد أن الحملات الممنهجة التى شنت مؤخرًا ضد الدولة المصرية، وفى القلب منها الجيش المصرى، جاءت منفصلة عن التوترات المتصاعدة في ملفات سد النهضة وغاز المتوسط ومساعى تركيا لاقتطاع أجزاء من شمال سوريا.
فقد نشط ما يمكن تسميتهم بعملاء تركيا في نشر دعاوى التحريض والفوضى على نحو مشابه لدعوات التظاهر في يناير 2011، وسعوا إلى تصدير مشهد مزيف للداخل المصرى عبر نشر فيديوهات وصور ملفقة حول حجم التظاهرات.
أغلب الوجوه التى برزت على الساحة مجددًا إلى جانب عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، كانت من نشطاء يناير الذين يضمهم التيار المدنى، وباتوا محسوبين على جماعة الإخوان والنظامين التركى والقطرى لظهورهم المتكرر والمنتظم على شاشات الإرهاب التى تبث من الدوحة وأنقرة ولتلازم كل تحركاتهم وبياناتهم المعادية للدولة المصرية مع الدعوات الإخوانية للتظاهر والتحرشات التركية القطرية للدولة المصرية سواء في ليبيا أو في منطقة غاز المتوسط أو حتى في ملف سد النهضة، والأراضى السورية حيث يكمن عمق الأمن القومى المصرى.
صحيح أن هناك العديد من المشكلات الداخلية التى عاناها المصريون كنتيجة لإجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادى التى لم يكن هناك بدًا منها؛ لكن هؤلاء المواطنين لم يكونوا طرفًا في تلك الدعاوى المشبوهة، وإلا لرأينا الملايين تخرج إلى الشوارع وهذا مالم يحدث لعدة اعتبارات منها إدراك غالبية المصريين أن سيناريو الفوضى والعنف ليس حلًا لأية أزمات، ولوعيهم أننا بتنا بصدد نظام سياسى يأخذ بأساليب الحكم الرشيد، الحريص على تفادى أخطاء الماضى ومسببات الفوضى، لاسيما وأن الحكومة أنجزت الكثير من المشروعات التى استهدفت تحقيق العدالة الاجتماعية منها ماتعلق بصحة المصريين، والقضاء على العشوائيات، ومنها ما ارتبط ببرامج الرعاية الاجتماعية للأسر الأكثر احتياجًا والقرى الأكثر فقرًا.
ومع ذلك سرعان ما أدركت الدولة أن ثمة إجراءات أخرى سريعة ينبغى اتخاذها لتخفيف معاناة المواطن وكانت مراجعة معايير منظومة الدعم في بطاقات التموين أولى تلك الإجراءات.
لم يكن الهدف من تلك الدعاوى الباطلة إصلاح أحوال المصريين وتحسين أوضاعهم المعيشية كما يروج البعض، وإنما الدفع بالبلاد إلى دوامة عنف وفوضى تربك مؤسسات الدولة وأجهزتها وتعيدها إلى ما كانت عليه في 2011، فتكمل إثيوبيا مشروع سد النهضة على النحو الذى تريد بينما الدولة منشغلة بأحداث العنف الداخلية، لتفاجأ وتجد نفسها أمام شبح العطش، وفى نفس الوقت تتفرغ تركيا وقطر لإثارة الفوضى في منطقة غاز شرق المتوسط فتحرم مصر من الاستفادة من ثرواتها الطبيعة هناك؛ إضافة إلى أدوارهما الخبيثة على حدودنا الغربية في لبيبا التى ستتعاظم حال عودة الأوضاع في مصر إلى نقطة الصفر.
الاصطفاف الوطنى والالتفاف حول الرئيس والجيش خيار لابديل عنه، لأن المخطط الذى عشنا جزءًا منه خلال الشهر المنصرم لم ينته بعد، ومؤشرات ذلك تبدأ عند حجم مانشر من معلومات حول العناصر الأجنبية التى تم ضبطها والقبض عليها بالتزامن مع دعاوى التظاهر، وتنتهى عند تلاقى مصالح عدة أطراف دولية وإقليمية حول ما يحدث في سوريا ومنطقة غاز المتوسط.
وعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس الأمريكى انسحاب قواته من شمال شرق سوريا، وترك أمر آلاف الدواعش المحتجزين لأردوغان الذى طالما دعم هذا التنظيم بشتى الصور، وهو مايعنى مباشرة قيام الرئيس التركى بإعادة توجيه جانب من تلك العناصر إلى ليبيا وربما إلى الداخل المصرى في حال نجاح مخطط الفوضى، واستخدام البقية في ابتزاز أوروبا.
مع ملاحظة أن ترامب وضع محظورًا وحيدًا على أردوغان وهو المساس بجندى أمريكى واحد معتبرًا ذلك الخط الأحمر غير المسموح تجاوزه وإلا دمر الاقتصاد التركى.
وأيضًا، أعلنت الولايات المتحدة على لسان ترامب ترك أمر ترتيب أوراق الملف السورى برمته لكل من تركيا وروسيا وإيران، وهو مايعنى أنها قد تتصرف في صراعها المزعوم مع طهران في منطقة الخليج بطريقة مشابهة، أى تتخلى عن حلفائها الاستراتيجيين والتاريخيين في المملكة السعودية والإمارات تماما كما فعلت مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية المعروفة اختصار بـ«قسد».
وبالمثل يستطيع أى مراقب ملاحظة عدم توجيه أى لوم أمريكى لأردوغان لامداده الميليشيات الإرهابية في طرابلس بالسلاح والعتاد، وتهريبه لمئات العناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا، رغم دعمه المعلن والصريح لعمليات الجيش الوطنى الليبى.
بوضوح تبدو مصالح الدول العربية سواء الخليجية أو مصر أو سوريا رهينة بما يجرى من تفاهمات سرية وعلنية بين كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا.
ولا سبيل أمام دول المنطقة سوى إعلان قائمة أولوياتها ومصالحها العليا، وأجندة عملها عبر أدوات السياسة والدبلوماسية مرتكزة لمقومات وعناصر قوتها وفى القلب منها قدراتها العسكرية، وإرادة شعوبها على نحو ماتفعل الدولة المصرية سواء في التعامل مع الملف الليبي أو سد النهضة، أو منطقة غاز المتوسط، وصولًا إلى سوريا التى باتت ممزقة بين عدة إرادات.