تُعتبر الشائعات، من أخطر الحروب المعنوية، والأمراض النفسية، ومن أشد الأسلحة فتكًا وتدميرًا، وأعظمها تأثيرًا، ليس في عصرنا هذا فقط، وإنما تمتد لآلاف السنين، بل ويرجعها البعض إلى تاريخ نشأة الصراعات والحروب بين البشر، فهى ظاهرة اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، فهى تهدف أول ما تهدف إلى القضاء على الروح المعنوية للخصم سواء أكان فردًا أو مجموعة أو دولة.
وعند علماء الاجتماع، تعرف الإشاعة بأنها: «عبارة عن نبأ أو حدث، قادر على الانتشار والانتقال من شخص لآخر، وقادر على زعزعة الرأى العام، أو تجميده دون التثبت منه».
وفى لسان العرب «الإشاعة» من «شاع الخبر في الناس يشيع شيعًا وشيعانا ومشاعًا وشيعوعة، فهو شائع أى انتشر، وافترق، وذاع، وظهر.. وأشاعه أى أطاره، وأظهره.. والزعم: القول المشكوك فيه الذى لا يوثق به.
وتبدأ الشائعات عادة بكلمة صغيرة، ثم يزيدها الناس من هنا وهناك، ومع اختلاف البشر وثقافاتهم وقدراتهم العقلية والعلمية في الضبط والتحمل والأداء للكلام، تنبت الشائعة وتتغير الكلمة.
وما أخرج آدم وحواء، من الجنة، إلا خبر كاذب أو «إشاعة» من إبليس بأن الشجرة المنهي عن الأكل منها، هي: «شجرة الخلد»، وأن الذى يأكل منها له ملك لا يبلى، وبسبب الشائعات انطلقت حروب مدمرة، فقد استخدمها «الفراعنة»، كما ساهمت الشائعات في سقوط المدن كالتى كان يبثها «جنكيز خان» زعيم المغول، عن طريق رسله والتى تحكى عن بطش جنوده ووحشيتهم، الأمر الذى كان له أثر نفسى بالغ في سكان المدن العربية والإسلامية آنذاك، ما سهل لجيشه احتلال مدن عدة، وتم استخدام هذا السلاح الخطير في الحربين الأولى والثانية بشكل كبير، حيث استخدمها «الألمان» ضد الشعب الروسي، بل وأنشأ الألمان في الحرب العالمية الثانية، وزارة لـ«البروباجندا»، أو الدعاية، وكان على رأسها «جوزيف جوبلز».
كما أن الشائعات من أهم الوسائل والفنون في علوم الجاسوسية، فلكل شائعة مهمة، وهدف، وفق رؤية علمية محددة، وزمان معروف، بل وتعد الشائعات من أهم أدوات الحروب النفسية، وتحطيم معنويات الأعداء، وعرقلة أى تقدم اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي.
وتتولد الشائعة من خلال 3 حالات، أولها: إيجاد خبر لا أساس له من الصحة، وثانيًا: تلفيق خبر، فيه نصيب من الصحة.. وثالثها المبالغة الجسيمة في نقل خبر ينطوى على بعض العناصر الصحيحة، وتتسم الشائعات بالإيجاز وسهولة المعنى لتسهيل عملية النقل والرواية كما تتسم بالتناقض والغموض لتوليد الشك عند المتلقي.
وتزدهر الشائعات في الأوساط المجتمعية الفقيرة والأمية وكبار السن، وسط غياب الصحافة والإعلام، أو ضعفها، وهى تهدف إلى إضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية، وإثارة الشك في شرعية قضيته ومسارها، وزعزعة الأمل في النصر، والتشكيك في القدرات والتهويل من الخطر، ما يولد مناخًا مربكًا للناس ويؤثر في مصداقية الرأى العام.
والشائعات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدعاية السياسية أو «الإعلامية» فهناك دعاية مضللة: وهى التى تنسب لحقيقة صغيرة كمًا هائلًا من الأكاذيب ودعاية موجهة، وهى التى تصوغ الأحداث وفق تيار سياسى أو فكر أو عقائدى محدد، ودعاية معادية، وهذه مكشوفة الأهداف، وإن لجأت للتضليل والافتراء وتكون في الغالب منحازة، وأخيرًا الدعاية الديمقراطية، وهى التى تعرض لحقائق غير منحازة، وفى هذه الدعاية مرونة وقابلية للحوار والإقناع.
ولو نظرنا إلى العدوان الأمريكى على شعب العراق، في 2003، نرى كيفية تعامل وسائل الإعلام مع الحدث، وكيف اعتمد العدوان على الحرب النفسية والإعلامية، وإطلاق الشائعات والخداع والأكاذيب.
ويمكن القضاء على الشائعات بالمعلومات، التى تتاح للصحفيين والإعلاميين لتقديمها للناس وتكذيب الشائعة، ووضع سياسة إعلامية واضحة، ومستندة إلى قيم المجتمع وأولوياته، ومصلحة الدولة، وعدم الانسياق وراء الشائعات التى تهدف لهدم أركان الدولة، والتدريب المتواصل للإعلاميين والصحفيين لإكسابهم التغييرات الحديثة في المجال حسب أحدث التقنيات العالمية ودعم وسائل الإعلام من صحف وتليفزيون، حتى تستطيع المنافسة مع الإعلام الجديد، والسوشيال ميديا، والاهتمام بالمهنية، وتفعيل نظرية المسئولية الاجتماعية للإعلام في كل المؤسسات الإعلامية بدعم من الدولة.
ويجب أن تتضافر جهود الجميع مؤسسات وأفرادًا من أجل الحيلولة، دون بث أو ترويج أية معلومات أو بيانات غير حقيقية، خاصة في أوقات الأزمات وهو ما يؤثر على المجتمع وأفراده ويحدث بلبلة تزيد من التنافر في الرأي، وتفسح مجالًا لزرع الأكاذيب وترويجها.
وفى هذا الإطار يبرز دور الكاتب الصحفى والنائب البرلماني، الدكتور عبدالرحيم على، الذى أخذ على عاتقه توعية الشباب بمخاطر الشائعات على المجتمعات والدول، وبرز كأحد الرموز الإعلامية المهمة، في توضيح الأمور، لما يملكه من معلومات كثيرة وثقافة عالية، يحتاج لها الشباب لإثراء فكرهم.
وخلال الأيام الماضية، حرصت عدد من الجامعات على دعوة الدكتور عبدالرحيم على، للمشاركة في ندوات تثقيفية للتعريف بمخاطر الشباب، أكد خلالها النائب على أن مصر مستهدفة بالشائعات، وأن هناك من يخطط لهذا بغرض إسقاطها، وعرض من خلال خبرته وسائل مقاومة الشائعات وحماية المجتمع منها، وهو الأمر الذى رحب به الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، ووجه الشكر للدكتور عبدالرحيم على، لجهوده الكبيرة في نشر الوعى بين الشباب المصرى من خلال مشاركته في العديد من الندوات بالجامعات المصرية المختلفة، بل وطالب بقية النواب بالاقتداء به وتعريف الشباب في دوائرهم بخطورة هذه الظاهرة.
ما يقوم به النائب عبدالرحيم على، وهذا الجهد الكبير الذى يبذله، خطوة مهمة يجب أن تستمر وتنتشر على نطاق واسع ويبنى عليها، من قبل المثقفين والكتاب والسياسيين والإعلاميين، وكل طوائف المجتمع، لحماية مصر ممن يتربص بها.