السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مداخل مبتكرة لتطوير المحتوى الصحفي «6»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ وقت ليس ببعيد، كان من الصعب أن يصل الصحفيون إلى قواعد البيانات إلا بشِقِ الأنفس، وفى كثير من الأحيان يقوم الصحفيون باتباع طرقٍ تقليدية لتجميع البيانات بأنفسهم من سجلات ورقية، لكن مع انتشار الإنترنت وتوغلها في أركان العمل الصحفى تغيرت قواعد اللعبة. فنحن نعيش الآن في ذروة العصر الرقمى؛ حيث تتراكم فيه البيانات لحظيًا أكثر من أى وقت مضى، إلى درجة جعلت البعض يطلق على البيانات مصطلح «النفط الجديد» لكون النفط متاحًا ما دمنا ننقب عنه، البيانات كذلك متاحة إذا ما سعينا للوصول إليها، لتبقى النُدرة مسألةً نسبية.
وفى الواقع تزداد قوة العلاقة بين البيانات والصحافة في جميع أنحاء العالم؛ ففى عصر البيانات المكثفة تكمن الأهمية المتزايدة لصحافة البيانات في قدرة ممارسيها على إيجاد المضمون ووضوح الرؤية، وربما يكون الأهم هو إيجاد الحقيقة من بين الكم الهائل للبيانات في العالم. وهذا لا يعنى أن وسائل الإعلام ليس لها دورٌ أساسى اليوم، بل بالعكس تمامًا ففى عصر المعلومات نحتاج للصحفيين أكثر من ذى قبل للإشراف على المعلومات والتحقق منها وتحليلها والجمع بينها. وفى هذا السياق نجد لصحافة البيانات أهميةً قصوى في المجتمع.
وقد أكدت الدراسات التى تناولت التصميم والإخراج أن من أهم وسائل جذب القرَّاء إلى مواقع الصحف الإلكترونية والتأثير في العملية الإدراكية لديهم جودة الأساليب الإخراجية التى تقدمها هذه المواقع، بالإضافة إلى أشكال تقديم الأخبار ومدى اعتمادها على الصور والرسوم والوسائط المتعددة؛ فالنص الصحفى المصاحب بالرسوم المتحركة أفضل من النص الذى يظهر بالأسود دون صور أو رسوم، وكذلك الأخبار إذا صُممت بشكلٍ متحرك تجمع بين العناصر التفاعلية المختلفة؛ مثل الصورة والفيديو يزيد من العملية الإدراكية للمعلومات المقدمة، كما أن الرسوم الصحفية تقف جنبا إلى جنب مع الحروف، سواء حروف المتن أو العناوين في نقل الرسالة الإعلامية إلى القراء.
والآن ينتشر بين الصحفيين مفهوم خاطئ مفاده بأن الصحافة الإلكترونية هى صاحبة السبق في استخدام «صحافة البيانات»، لكن أرشيف الصحف المصرية والعالمية تحمل تاريخًا لافتًا في استخدام «الإنفوجراف» والرسوم التوضيحية المعلوماتية الجاذبة للانتباه لتوصيل المعلومات إلى القارئ دون استخدام الكثير من الكلمات.
لكن الأشكال البيانية التقليدية- كالدوائر أو الأعمدة البيانية أو الرسم البيانى الخطي- تتناسب أكثر مع الصحف أو المجلات المطبوعة، نظرًا لافتقار وسائل الإعلام المطبوعة إلى التفاعل مع القارئ. لكن إذا أردنا أن نستخدم تلك الأشكال البيانية في المواقع الإخبارية أو حتى في المدوّنات الشخصية؛ فمن الأفضل أن نضيف إليها الجانب التفاعلى الذى يتيح للمتصفّح اكتشاف المزيد من المعلومات، دون الخروج عن سياق التصميم أو جعل الصورة مزدحمة بالمعلومات.
ومن الملاحظ أن الصحافة الإلكترونية وصحافة المواطن وشبكات التواصل الاجتماعي أدت إلى تطور سريع في مجال النشر الصحفي، وخلقت جيلًا جديدًا من القرّاء يسعى وراء أبسط وأسرع وسيلة لإيجاد الخبر، ونتيجة لتلك السرعة في إيقاع الحياة عمومًا وفى عملية نقل الأخبار، بالإضافة إلى تسارع الأحداث نفسها، اتسم القارئ المستخدم للصحافة الإلكترونية بمختلف أشكالها بالملل. ولم يعد يطيق قراءة موضوع تصل كلماته إلى 700 كلمة أو أكثر. ولم يعد «سحر الكلمات» جاذبًا له كما كان في الماضي، وأصبح يسعى وراء الجديد سواء في شكل المادة المعلوماتية المقدمة أو المضمون، وأيضًا بدأ يعزف عن ارتياد المواقع الإخبارية التى اعتاد عليها، نظرًا لما تقدمه شبكات التواصل الاجتماعي من تغطية سريعة للخبر.
ولذلك ظهرت «صحافة البيانات» التى تعد أحد الأشكال الصحفية التى انتشرت في المواقع الإلكترونية كمحاولة لجذب القارئ، وكوسيلة للمنافسة بين الوسائل الإعلامية. ومن هنا نجد أنفسنا أمام شكلٍ جديد من الصحافة بدأ ينتشر بشكل ملحوظ في المواقع الإلكترونية وإن اختلفت درجة الاهتمام به من موقع إلى آخر. ولكن تبقى صحافة البيانات نوعًا من الصحافة يتميز بقدرته على جذب عدد كبير من القراء من خلال تبسيط المعلومات والأرقام وتقديمها في أشكال بصرية تفاعلية، لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى دراسة هذا المجال الجديد للتعرف على أهم تطبيقاته، بالإضافة إلى البرامج والأدوات المستخدمة في إنتاج الموضوعات المتعلقة به، وكذلك رصد الدور الذى تمارسه صحافة البيانات في تسهيل عملية استيعاب وتحليل الأرقام والإحصاءات التى تحتوى عليها القصة الصحفية، ورصد المهارات والمتطلبات التى يحتاجها القائم بالاتصال الذى يعمل في مجال صحافة البيانات بالإضافة إلى التحديات التى تواجهه.
في هذا الإطار، جاءت رسالة الباحثة دينا طارق محمود المعيدة بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وعنوانها: «مُحدِّدات توظيف صحافة البيانات في المواقع الإخبارية المصرية والعالمية: دراسة للمضمون والقائم بالاتصال»، والتى أشرفتُ عليها ونوقشت مؤخرًا.
اهتمت الرسالة بواحدة من أهم الظواهر الصحفية، التى أدت إلى تغيير كبير في الممارسات الصحفية، وطرق عرض القصة الصحفية، وهى «صحافة البيانات»، والتى ظهرت بفضل الكم الهائل من البيانات المتاح الآن عبر شبكة الإنترنت، وكذلك نتيجة لتزايد قدرة الصحفى على الوصول إلى الوثائق وقواعد البيانات المختلفة، وهنا أصبح التحدى الأكبر أمام الصحفى متمثلًا في كيفية استغلال هذه البيانات لتقديم قصة صحفية شيقة، تحتوى على حجم كبير من البيانات يسهل على القارئ الحصول عليه، واكتشافه من خلال طرق العرض البصرية التى يعتمد عليها الصحفى في رواية القصة.
والآن يتصاعد الوعى بأهمية صحافة البيانات في العالم أجمع يوما بعد يوم، وأصبحت صحافة البيانات هى حاجة ملحة لدى المؤسسات الصحفية التى تريد البقاء في واجهة المشهد، وأن يستمر تأثيرها في الرأى العام، خاصة مع تحرك صناعة الإعلام بوتيرة سريعة واستمرار ظهور أساليب جديدة لرواية القصص الخبرية، والاستفادة من أسلوب السرد القصصى وعرض المحتوى.
وقد استهدفت هذه الدراسة رصد واقع صحافة البيانات في مصر بشكلٍ عام، وبحث كيفية توظيف صحافة البيانات بالمواقع الإخبارية المصرية بالمقارنة بالمواقع العالمية بشكلٍ خاص، والوقوف على الاختلافات في تقديم القصص الصحفية المدعمة بالبيانات بمصر والعالم سواء من خلال حجم البيانات المستخدمة أو مصادرها أو طرق عرضها، بالإضافة إلى التعرف على أهم البرامج والأدوات التى تعتمد عليها المواقع الإخبارية المصرية في تقديم قصص صحافة البيانات، كذلك اهتمت الدراسة باكتشاف أهم المهارات والمتطلبات التى يحتاجها الصحفى ومصمم البيانات، علاوة على التحديات التى تواجهها، كما سعت الدراسة لرصد دور الإدارة في المؤسسات الصحفية المصرية في تدعيم صحافة البيانات والعاملين بها من خلال توفير المناخ المناسب لنشر هذا المجال الجديد وتطويره.
وقد عرضت الدراسة في جانبها النظرى لنشأة ومفهوم صحافة البيانات، وكذلك أهم عناصر فريق العمل والمهارات التى يحتاجونها، بالإضافة إلى مراحل إعداد قصة صحفية مدعومة بالبيانات بداية من جمع البيانات، والتحقق منها مرورًا بتحليلها، ثم عرضها في شكلٍ بصرى جذاب يمكن القارئ من اكتشاف البيانات بسهولة، واهتمت الباحثة بعرض أهم النماذج الرائدة في صحافة البيانات، والتى تمثلت في كل من «الجارديان» البريطانية، و«نيويورك تايمز» الأمريكية، وهما من أولى الصحف التى اهتمت بتطبيق صحافة البيانات في العالم.
ونستعرض في الأسبوع القادم، مدخلًا جديدًا لتطوير المحتوى الصحفى.