السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواجهة مشروع أردوغان بين التأسيس والتسييس (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحد ينكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نجح إلى حد كبير في تحقيق ما طمح إليه سواء في إثارة الفتن والقلاقل أو من خلال قطع خطوات حقيقية ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي أعلن عنه قبل عقد من الزمان، عندما وقف مشدوهًا أمام العالم قائلًا: "جئت من أجل مشروع الأوسط الجديد".
وهنا تبدو ملاحظة جديرة بالتقدير خاصة بالتعامل مع أردوغان الذي يسعى لإقامة إمبراطورية له، وعودة حلم أجداده القدامى، والأمر الثاني هو التعامل مع ما أحدثه في المنطقة خلال الفترة الماضية مع طرح إمكانية التصدي لمشروعه التوسعي الذي يهدف لإسقاط الأنظمة العربية المستقرة.
نبدأ في سلسلة مقالات الهدف الأساسي منه يتمثل في فهم شخصيته وتشريح عقله في محاولة للاطلاع على ما هو عازم على تحقيقه الفترة القادمة سواء داخليًا أو خارجيًا بعد صراعه مع حركة الخدمة أو تطلعاته الخارجية التي دفعته للتنسيق على أعلى مستوى مع كل جماعات العنف والتطرف في المنطقة واستثمار وجودها.
كل هذه المحاولات الهدف منها هو إبطال تأثيره فضلًا عن هزيمة مشروعه القائم على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية خدمة لمشاريع أخرى وتحالفات أراد أن يحقق من خلالها مصالح سياسية ضيقة حتى ولو وصل الأمر، كما هو حادث الآن، التنسيق مع جماعات العنف والتطرف وتوفير ملاذات آمنه له.
ما أريد قوله في بداية سلسلة هذه المقالات إن ذكاء أردوغان دفعه مثل كل التنظيمات المتطرفة أن يقدم نفسه بأكثر من صورة، فخدم الناس بصور مزيفة، ولعل ذلك يذكرني بحركة الإخوان المسلمين، التي انشق عنها قبل ثلاثين عامًا، عندما كان عضوًا في حزب الرفاة مع نجم الدين أربكان.
حركة الإخوان المسلمين خدعت الكثير من النخب والمثقفين والسياسيين وقدمت نفسها على أنها تنظيم دعوي، حتى ظن فيها من يريد أن يمارس الدعوة بأنها قلعة الدعوة إلى الله، كما أنها غازلت وخاطبت كل من يريد أن يُجاهد أو يُقاتل في سبيل الله، أو كما نفهم من يريد أن يمارس العنف، وهي كذلك، وبالتالي نجحت في أن تستمر أكثر من تسعين عامًا حتى الآن رغم محاولات المواجهة.
هكذا فعل أردوغان، الذي قدم نفسه على أنه صاحب المشروع الإسلامي الأول والأوحد في المنطقة فتجمعت من حوله دولًا وأفرادًا وجماعات حتى أصبح له الكلمة الأولى على كل جماعات العنف والتطرف في المنطقة في مقدمتها "داعش" كما أنه قدم خدمات جليلة للإخوان المسلمين، مثل الدعم المالي وتوفير منصات إعلامية ورعاية سياسية ودبلوماسية للتنظيم، على كل الأحوال نجح أردوغان في امتلاك هذه التنظيمات.
وكما نجح في تقديم نفسه على أنه صاحب المشروع الإسلامي، قدم نفسه أيضًا على أنه صاحب المشروع الأمريكي وراعية في المنطقة، وقد أعلن ذلك من قبل وأقام علاقات اقتصادية وتعاون عسكري رفيع المستوى مع دولة الكيان الصهيوني، ليس مجرد تعاون ولكنه رفيع المستوى حتى أن نجله أقام ومازال مشروعات اقتصادية مع إسرائيل بما يدل على أنها ليست مجرد علاقات شكلية.
باختصار شديد في هذه المنطقة نجح أردوغان في الضحك على العالم الإسلامي، عندما لعب على عواطف الشباب بأنه صاحب مشروع إسلامي بينما له وجه آخر، وهنا يبدو الفهم الصحيح لعقلية أردوغان، المراوغة، كما تبدو صورة المزيفة أكثر وضوحًا.
لن استطرد كثيرًا في هذه النقطة، مقابل أن يقف القارئ كثيرًا أمامها إذا كان عازمًا على فهم سلوك الرجل السياسي، ولعل هذا السلوك يُفسر بشكل أكبر عدائه المستميت مع حركة الخدمة في تركيا والتي تنتشر مؤسساتها التعليمية والتربوية والخدمية في أكثر من مائة وسبعين دولة، للرجل وجهين بل وجوهًا كثيرة أغلبها يحتاج لمجهود في محاولة فهمه.
لا أحد ينكر أن انقلابًا وقع في تركيا في 16 يوليو عام 2016 ولكن كان يعلمه الرئيس التركي واتخذه ذريعة لضرب المعارضة والتفرد بالقرار السياسي في الداخل، ففوجئنا بإقالة 80% من جنرالات الجيش للتقاعد وحبس البعض الآخر، فضلًا عن فصل 150 ألف معلم من المدارس والجامعات واعتقال حراسة الشخصيين فضلا عن فضل مئات القضاة من الخدمة، والإفراج عن تنظيم "أجرينكول" المتهمين في قضايا لها علاقة بالانقلاب الحقيقي على نظام حكمه ومحاولة قتله وصدرت أحكام نهائية من القضاء بذلك.
أردوغان وصف الانقلاب "المزيف" بأنه انقلاب حقيقي أولا ثم ضرب معارضيه معتقدًا أنهم وراء هذا الانقلاب، ومع العودة بالذاكرة إلى الوراء ندرك أن هذا الانقلاب لم يمت فيه شخصًا واحدًا، وإذا كان حراسة الشخصيين من المنقلبين فلماذا لم يفلحوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غير أن هذا يُجسد المسرحية التي مثلها أردوغان أمام العالم وأمام الشعب التركي أولًا.
أردوغان مطالب بأن يحكي عما تم بينه وبين زعيم تنظيم "أجرينكول" والذي قال عنه وعما دار بينه بأنه سوف يدفن في قبري وقبر خصمة الذي حاول الانقلاب عليه أكثر من مرة.. وللقصة بقية