يعود أكتوبر في كل عام، معطرا برائحة الجنة ومكللا بزهور الشهادة ومباركا بأرواح الشهداء، يعود أكتوبر في كل عام ليحيى انتصارنا على إسرئيل عام 1973 ويذكرنا بالنصر الذى حطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر وتحطيم خط بارليف، ورد الكرامة والثأر لنكسة 1967 يعود أكتوبر في كل عام ليعلمنا دروسا لا يُمل تكرارها ولا يُسأم من الحديث عنها أو الخوض فيها وكأنه يغسل أرواحنا من أدرانها ويجعلنا أكثر قوة على التحدى كجنودنا الذين حاربوا صائمين، ويقول لنا: لم ينته الأمر بعد، انتبهوا، فالحرب تعمل بجد، لكن آلياتها تغيرت فلكل جيل، جيل مغاير من الحروب، الحرب تحيا ما دامت الحياة، تلك هى جدلية الخير والشر لكن المهم هو الوعي، سمعنا كثيرا عن حروب الجيل الرابع، فهل يعرف الجيل الحالى من الشباب أنها ليست حروبا بين جيشين نظاميين لبلدين متعاديين فقط، إنما هى حرب على الجبهتين الداخلية والخارجية بطريق مختلفة، على مستوى الحياة اليومية للمواطنين، تتبع أساليب الحرب النفسية والذهنية بأدواتها الناعمة التى تضع السم في العسل وتطارد الوعى عبر أذانه وعيونه كالإعلام والإنترنت والجيوش الإلكترونية، وبذلك تصبح قادرة على تحريك الرأى العام وتقويض الثقة بين المواطنين وجيشهم وتزرع الغضب واليأس في نفوس الشباب وتثير القلق لخلق دولة ضعيفة تحارب العدو بشعبه دون أن تخسر هى أى فرد من شعبها، أما على مستوى الجبهة الخارجية فتلجأ إلى التطرف والخلايا الإرهابية وتكتيكات حرب العصابات ناهيك عن تأثير ذلك على العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى، كل ذلك وأكثر يأتى في سبيل إخضاع الدولة المستهدفة بعد أن تكون قد باتت ضعيفة منهكة على الجبهتين فتسهل استجابتها للضغوط والتدخل الخارجى، لأنها ببساطة أصبحت خاضعة صالحة للنفوذ والسيطرة، هكذا تهزم الشعوب التى لا تعى قيمة بلدها تهزم نفسها بنفسها وتقتل أبناءها تحت أقدام أعدائها بلا ثمن، فهل تساءلنا يوما عما يجرى في سيناء وما يدفعه جيشنا حتى الآن من خيرة شبابه ومن عتاده في حربه على الإرهاب؟ وهل عرفنا ما تقوم به قنوات بعينها كالجزيرة وغيرها من كلاب تركيا وخدامها؟ هل عرفنا كم الشائعات وكم السخرية والفكاهة على مواقع التواصل الاجتماعي من مجريات الأحداث وغيرها؟ هل عرفنا حجم الشائعات وأغراضها؟ لقد عشنا ذلك كله بشكل يومى، لأنه ببساطة حياتنا والجيش كله أبناؤنا، يأتى أكتوبر في كل عام ليذكرنا بمواكب الشهداء، بدمائهم التى تعطر التراب، وأرواحهم التى تلتف كعقد من النور حول النسر في علمنا الذى يرفرف في كل مكان في مصر، لنعى الدرس جيدا ونعلم أطفالنا معنى الوطنية ونذكرهم بأسماء القادة وبطولاتهم وتضحياتهم حتى يعرفوا تاريخهم جيدا ويفخروا به، فيصموا آذانهم عن منصات الأعداء ويؤمنوا بوطنهم وجيشهم ومؤسساتهم، يتذكر طلاب المدارس يوم الأربعاء الحزين في الثامن من أبريل عام 1970، أربعاء الدم البرىء وجثث الأطفال التى تناثرت إثر عدوان غاشم على أطفال مثلهم في مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بقرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، والذى نتج عنه سبعة وسبعون شهيدًا وجريحًا من المدنيين يسمعون في هذا اليوم في مدارسهم «الدرس انتهى لموا الكراريس» ويتذكر العمال يوم الثانى عشر من شهر فبراير عام 1970 حينما أغار الطيران الإسرائيلى على مصنع «أبو زعبل» للصناعات المعدنية بمحافظة القليوبية فاستشهد سبعون عاملًا وأصيب تسعة وستون آخرون ودمر المصنع تماما وكان ذلك للضغط على مصر لقبول مبادرة روجرز لوقف حرب الاستنزاف فهل عرفنا قدر الضغوط التى تتعرض لها مصر حاليا في معركة البناء؟ كل ذلك وأكثر يجب أن نتذكره نتعلمه ونحفظه ولا نسأم؛ لأن أعداءنا يقفون لنا بالمرصاد يعرفون قيمة ما لدينا وما ينبغى علينا أن نحمية بأرواحنا، لأن وطننا أمانة يسلمها كل جيل للجيل الذى يليه آمنة وادعة حرة وقوية متوجة بنصر أكتوبر الذى يقول لنا هذه المرة أن باستطاعة الآلة أن تقتل البشر وتهزمهم، لكن الشعوب الأبية لا يمكن هزيمتها.. حفظ الله مصر وكل أكتوبر ومصر في عبور جديد.
آراء حرة
في كل أكتوبر عبور جديد
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق