تظل حرب أكتوبر 1973.. علامة فارقة في حروبنا مع العدو الصهيوني.. وصفحة مضيئة من صفحات تاريخنا المجيد.. وأيام مشرقة في حياتنا.. وذكرى جليلة في حياة الأجيال القادمة.. تلك الحرب التى ردت لنا اعتبارنا.. ورفعت رؤوسنا.. وكفكفت دمعنا على أحباء فقدناهم في حروبنا مع اليهود.. تلك الحرب التى أنستنا مرارة الهزيمة وآلامها.. وأذاقتنا حلاوة النصر وآماله.. وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى بأنه جيش لا يقهر.. وأجبرت العالم لأن يقف لنا إجلالا واحتراما.. بعد أن شكك الجميع في قدرتنا على التعافى والعودة لسنوات طوال.
في مثل هذا اليوم.. منذ ستة وأربعين عاما.. طرحنا اليأس خلفنا وانطلقنا على طريق الأمل.. عبرنا الهزيمة إلى النصر.. أسقطنا راية العدو.. ورفعنا رايتنا لترفرف على أرضنا بعد غياب نحو ستة أعوام.. أمسينا مرفوعى الرأس.. في يوم انتظره آباؤنا وأجدادنا.. بعد مرارة سنوات من الهزيمة.. وتفتحت عليه أعيننا نحن الأبناء.. لنشب فخورين بجيشنا.. ذلك الجيش الذى لم يمنح الفرصة لإثبات قدرته واختبار قوته في ١٩٦٧.. لم تكن هزيمته.. إنما نتيجة الصراعات والخلافات بين القيادة والقوى السياسية.. استطاع الجيش إعادة بناء نفسه من جديد.. في سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.. وعاد ليلقن الجيش المتماسك.. المسلح بأحدث الأسلحة.. المنتشى بنصر كان فيه اللاعب الأوحد دون منافس.. المتغطرس الذى لا يقهر.. هزيمة نكراء.. ودرسًا لن ينساه.. ويعلمه أن الجيش ليس بالأسلحة الحديثة.. إنما بإرادة وعزيمة رجاله الأبطال.
لم تستسلم مصر بعد خسارتها جولة من جولات حربها مع إسرائيل.. رغم فقدان جيشها عدته وعتاده وخيرة أبنائه في حرب الأيام الستة.. لملم الجيش شتاته واستجمع ما تبقى من قواته.. وأصر على الثأر من عدو أخذه على حين غرة.. بتواطؤ من القوى العظمى والمجتمع الدولي.. ورغم الظروف الصعبة والخيانات والسماوات المفتوحة بعد تدمير سلاح الجو المصري.. بنى حائط الصواريخ وأنجز منظومة الدفاع الجوي.. وتسلح بما أتيح له من سلاح.. لا يضاهى الأسلحة المتطورة التى في يد عدوه.. فطوره بقدر إمكاناته وإمكانياته.. وواصل تدريبه.. وكانت حرب الاستنزاف التى أعقبت هزيمة يونيو تدريبًا ممهدًا للنصر.. وبطولاتها التى تشبه المعجزات.. كانت دافعًا لجنود وضباط وكل شعب مصر.. يتوقون ليوم الثأر واستعادة العزة والكرامة.. وكان انتصارنا في أكتوبر.. مقدمة لانتصارنا في معركة السلام واسترداد باقى أرضنا السليبة.. وتمهيدًا للتنمية والبناء.
استطاعت مصر في زمن قياسي.. مداواة جراحها.. وواصلت الليل بالنهار لإعادة بناء قواتها المسلحة.. رغم الظروف الصعبة.. وعربدة العدو في سمائها المكشوفة.. طورت السلاح الذى تحت يدها.. ليواجه التفوق التسليحى للعدو وحرص الدول المساندة لإسرائيل على تفوقها تسليحيا علينا.
خططت مصر ودربت جيشها على مختلف الظروف المناخية والطبيعية.. وصممت على الأخذ بثأرها ومحو عار الهزيمة.. واختارت الوقت المناسب الذى انقضت فيه على عدوها وأفقدته توازنه في عدة ساعات.. وعبرت قواتنا القناة.. وصعدت الساتر الترابى واخترقت حصون خط بارليف المنيعة.. وخرج جنود العدو من جحورهم مستسلمين.. بعد أن قتل من قتل وفر من فر منهم.
وإذا كنا نحتفل بالسادس من أكتوبر كيوم للنصر.. فلا يجب أن ننسى ذكرى بطل النصر الذى استشهد في ذكرى انتصاره.. الرئيس الراحل أنور السادات الذى اغتالته رصاصات الغدر والخسة في يوم احتفاله بذكرى انتصاره وسط جنوده.
وأيضا لا يجب أن ننسى دور الرئيس السابق حسنى مبارك.. فهو بما له وما عليه.. كان قائدا لسلاح الجو المصرى في حرب أكتوبر.. وحقق إنجازات وبطولات لا يمكن أن تنمحى من صفحات التاريخ.. ولا تحذف من ذاكرتنا.
ولا يجب ألا ننسى قادة وضباط وجنود مختلف أسلحة الجيش المصرى في تلك الحرب.. الذين ضربوا أعظم الأمثلة في التضحية والفداء والشهامة والإقدام.. دفاعا عن الأرض والعرض.. وبذلوا الجهد والعرق والدم والنفس.. بصبر وإصرار وتحد.. في سبيل تحقيق النصر ومحو آثار الهزيمة.
في هذه الأيام ونحن نحتفل بذكرى عزيزة علينا جميعا.. يجب ألا ننسى أننا نواجه تحديات كثيرة وكبيرة.. وحروبا متعددة.. منها حرب إعلامية هدامة.. وحرب اقتصادية صعبة.. وحرب مياه ضرورية.. ويجب أن نتكاتف جميعا.. ونطرح خلافاتنا جانبا.. ونتحد لنواجه كل من يريد الإضرار بمصر.. عاش شعب مصر الأبى وجيشه العظيم وعاشت وحدة مصر واستقلالها واستقرارها.