ترى د. رحاب محمد أنور مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا في دراستها الضافية بعنوان: «محددات صحافة الحلول في المواقع الإخبارية الإلكترونية وانعكاساتها على القائم بالاتصال والجمهور» أن صحافة الحلول تعد حركة إصلاح صحفى هدفها الأساسى هو إلهام الصحفيين للإبلاغ عن الحلول الممكنة للمشكلات المجتمعية بدلًا من الوقوف عند مرحلة الإبلاغ كما تفعل معظم الصحافة التقليدية التى تكتفى بالإشارة إلى أن بعض المشكلات موجودة ويجب معالجتها، وبالتالى تمثل صحافة الحلول إعادة توجيه أساسية لماهية الصحافة، فبدلًا من تصور الصحافة كوسيلة لتسليط الضوء على المشكلات، فإنه يتصور الصحافة كوسيلة لاستكشاف الحلول.
ويؤكد البعض أن صحافة الحلول من النماذج التى يمكن أن تساعد كليات ومعاهد الصحافة والإعلام على إعادة تنشيط المناهج الدراسية لتناسب الصناعة المتغيرة. ويذكر ديفيد بورنشتاين David Bornstein الرئيس التنفيذى والمؤسس المشارك لشبكة صحافة الحلول أن هناك ثلاثة أسباب وراء ذيوع وصعود صحافة الحلول، وهى انتشار رواد الأعمال الاجتماعيين والمنظمات الأخرى التى تخفف بدورها من حدة الأمراض الاجتماعية، وانفجار المعلومات عبر الإنترنت التى توفر بدائل للأخبار السلبية لوسائل الإعلام السائدة، ورغبة الصحفيين في تغطية التغيير الاجتماعي الإيجابى.
وتتميز صحافة الحلول بعدة خصائص على النحو التالى:
لا بد أن تكون الحلول المتناولة في القصة في سياق المشكلة وتسعى لمعالجتها وليست بعيدة عنها.
صحافة الحلول مثل الصحافة التقليدية، تدور حول موضوع معين وتقدم معلومات مفيدة بشأنه، فهى يجب أن تتضمن بعض الشخصيات التى تواجه عددًا من التحديات، كما تتناول خبراتهم ونجاحهم وفشلهم، مع مراعاة أن تكون مرتبطة بوضع حلول للمشكلات.
صحافة الحلول تدور حول فكرة ما، يتم تحديد أبعادها للعمل على تدعيمها حيثما أمكن ذلك من خلال حجة قوية، وفيما يتعلق بالأفكار الناشئة ربما يكون الدليل الوحيد هو المشاهدين الموثوق بهم، فيعد هذا مفتاح تسلسل القصة أو التقرير.
من أفضل المجالات التى تسعى صحافة الحلول لتناولها المجال الاجتماعي، مع مراعاة أن كل استجابة وحل يتضمن محاذير وقيودا ومخاطر، وأن صحافة الحلول الفعالة هى التى لا يشوبها الخلل في تناول الموضوعات.
أن صحافة الحلول لم تتبن نماذج أو أفكارا بعينها، ولكن يسعى الصحفيون من خلالها إلى البحث والتنقيب عن الحلول الممكنة عبر تحليل الأفكار واتخاذ الأساليب الملائمة لكل موقف، فهى ليست مدفوعة بأجندة ما أو اتجاه محدد.
هناك فرق واضح بين صحافة الحلول وبين الأخبار السارة «Good News»، حيث تميل القصص السارة إلى الاحتفالات والأفعال والموضوعات الملهمة، أما صحافة الحلول فتتعلق بأفكار تسعى من خلالها إلى جعل الأفراد يواصلون العمل، ومتابعة الآثار المترتبة على ذلك.
وقد شبه الباحثون النهج الذى يتبعونه في صحافة الحلول بأنواع أخرى من الصحافة فذكروا أنها تقع ضمن فئة مماثلة تسمى الصحافة البنّاءة، والتى «تنطوى على تطبيق ميكانيزمات علم النفس الإيجابى للعمل الإخبارى في محاولة لخلق قصص أكثر إنتاجية وجاذبية مع الاحتفاظ بالوظائف الأساسية للصحافة»، وكذلك تتشابه مع صحافة السلام، والصحافة المدنية، والسرد التصالحى، وصحافة الدعوة؛ فصحافة السلام هى التى تشجع مبادرات السلام مقابل ما هو متصور من التحيز الإعلامى تجاه العنف، والصحافة المدنية تشجع المشاركة الديمقراطية من خلال إعطاء الصحفيين علاقة مباشرة مع المواطنين، والسرد التصالحى يشجع على تغطية عملية الاستعادة والترميم بعد فترة طويلة من المآسى ذات التأثير الكبير، وبالتالى فهى تشترك مع هذه الأنواع في هدف مشترك هو تحسين المجتمع، الأمر الذى يتطلب من الصحفى أن يلعب دورًا أكثر نشاطًا في الإبلاغ عن القصة.
وقد رأى صحفيو صحافة الحلول نجاحًا لقصصهم؛ وشَهِدوا بوجود تغير اجتماعي حقيقى ناتج عن تغطية الحلول، إضافة إلى أن تبنى هذا الأسلوب الجديد في التغطية رفع معدلات توزيع الصحف المطبوعة، وجاء هذا التغيير الإيجابى من منطلق أن الأخبار القائمة على الحلول تتضمن أساسًا معلومات عن حل لمشكلة ما، وبما أن معلومات صحافة الحلول أصلها الإيجابية لا الصراع الذى هو أساس الإعلام الصادم الذى يتضمن تفاصيل مزعجة، فمن المنطقى إذن أن الأخبار القائمة على الحلول قد تثير مشاعر إيجابية لدى المستهلكين أكثر من الإعلام الصادم.
وتوصلت نتائج الدراسة التحليلية للدكتورة رحاب أنور، والتى طُبقت على قصص صحافة الحلول في موقع «مصراوى» خلال عام 2018 إلى أن الموقع التزم إلى حدٍ كبير جدًا بالسمات الرئيسية لصحافة الحلول كما هى في الصحف الغربية، حيث كانت أبرز سمات القصص المعتمدة على الحلول أنها جميعًا تناولت أسباب المشكلة التى عرضت لها الحل، وكلها بلا استثناء تناولت بالشرح الاستجابة للمشكلة أو الحل، والغالبية العظمى منها شرحت تفاصيل حل المشكلة، وأن غالبية القصص المعتمدة على الحلول احتوت على رؤية أو درس قابل للتعلم، وكل القصص دون استثناء ركزت في المقام الأول على كيفية تنفيذ الحل وليس الثناء على الحل أو تعظيمه، وكل القصص المعتمدة على الحلول أعطت اهتمامًا بالاستجابة أو الحلول التى قدمها المواطنون، دون توجيه الاهتمام للأفراد الذين قدموا هذه المبادرات.
وأجمع المحررون الصحفيون المصريون أن السبب الرئيس وراء اهتمامهم بصحافة الحلول إنما يرجع إلى رغبتهم الشخصية في تقديم أخبار إيجابية ونماذج ملهمة وسط أحداث سيئة موجودة على الساحة، وأكدّوا أن مشاركتهم في إجراء هذا النوع من الصحافة كان له تأثيره الإيجابى عليهم وعلى شعورهم بالسعادة والتفاؤل، واتفق غالبيتهم على أن لصحافة الحلول تأثير على شعورهم بالرضا الوظيفى فهم يرون أن مجال الصحافة مرهق ومحبط ويعانون فيه من عدة أمور سلبية ولكن شعورهم بإحداث تغيير إيجابى في حياة غيرهم يشعرهم بقيمة عملهم ويزيد رضاهم عن مهنتهم.
وأجمع المبحوثون على شعورهم بالتفاؤل بعد قراءتهم لهذه القصص المعتمدة على الحلول، وعلى زيادة معرفتهم حول القضية. وأجمع المبحوثون على أن قراءتهم لقصص صحافة الحلول زادت من رغبتهم في قراءة قصص مشابهة، وهو ما يتفق مع ما تفترضه نظرية إدارة المزاج Mood Management من أننا نسعى جميعًا إلى تحقيق المزاج الإيجابى والحفاظ عليه، لذلك يتجه الجمهور إلى قراءة قصص مشابهة من شأنها أن تبعث في نفوسهم التفاؤل والأمل وبالتالى تحقق لهم المزاج الإيجابى.
وانتهت الدراسة إلى عدد من التوصيات أهمها تخصيص صفحة أسبوعية أو نصف شهرية في كل صحيفة تتناول المبادرات المختلفة للأفراد للحث على العمل وبث الأمل في نفوس القراء، ومحاولة تطبيق نهج صحافة الحلول في الصحافة الإقليمية بشكل خاص من شأنه أن يساهم في الترويج لهذه الصحافة فإذا وجد القارئ في هذه الصحف ما يفيده ويساهم في حل مشكلاته من المؤكد أنه سيتسع انتشارها، أيضًا واجب هذه الصحف تبنى ودعم أصحاب المبادرات من خلال النشر عنهم وهو الأمر الذى قد يجعلهم أكثر حبًا لصحفهم وأكثر حرصًا على شرائها، وتكليف المحررين الصحفيين بمختلف الأقسام بعمل موضوعات صحافة الحلول بالتبادل وعدم الاقتصار على قسم معين يتولى إجراء مثل هذه الموضوعات.
ونستعرض في الأسبوع القادم مدخلًا جديدًا لتطوير المحتوى الصحفى.