الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غرامة 50 جنيهًا للمدخن بالقطار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حسنًا فعلت الهيئة القومية لسكك حديد مصر بأن فرضت غرامة فورية على المُدخن داخل القطارات تبلغ خمسين جنيهًا، وتُحصل تلك الغرامة أضعافًا كثيرة إذا نزل المدخن من القطار وحُرر له محضر بعدم الدفع.
ورغم استياء الكثير من هذا القرار؛ لأنه أتى مُخالفًا لهواهم، إذ إنه أرغمهم على الإقلاع عن التدخين في المواصلات العامة حفاظًا على صحة المواطنين، وصونًا للقطارات من كثير من الكوارث التى تنجم عن تلك العادة الرذيلة المسماة التدخين، إلا أن تقييم أى قرار يكون بمقدار ما يُحققه من فائدة، ويدفعه من أضرار وإخطار!
فالمتأمل بعين الانصاف يجد أن هذا القرار الجريء من قبل هيئة السكة الحديد فيه كثير من الفوائد ليس للمدخن وحده، بل للمجتمع ككل، ففيه صون لصحة المدخن التى هى نعمة لا يعرف قيمتها إلا من حُرمها من العجزة والمرضي، الذين حبسهم المرض عن القيام بأعباء الحياة، وطرحهم على الأَسرة ينتظرون الموت ليُخفف عنهم ما يعانون من آلام وأوجاع!
كما أن فيه حفاظًا على صحة المتأثرين بالتدخين السلبى ممن شاءت ظروفهم التعسة أن يجلسوا في أسفارهم بجوار مُدخن لم يرقب فيهم ذمة ولا رحما، فينفخُ في وجوههم زفيره الملوث بالدخان بدعوى الحرية، مُطالبا - بتبجح - المُضار من التدخين بأن يبحث له عن مكان آخر، أو يستقل وسيلة مواصلات خاصة؛ ليُتيح له حرية أن يفعل ما يشاء، دون تضييق عليه، ناسيًا أن حرية المرء يجب أن تكون حرية مسئولة بألا تتعارض مع حقوق الآخرين؛ لأنها متى تعارضت تتحول إلى جُرم وتعدٍ؛ لا بد له من قانون يردعه.
وفى تطبيق ذلك القانون أيضا صون لثروات البلاد التى تُقدر بالملايين، بل بالمليارات تُنفق على تلك العادة السيئة التى لا طائل منها سوى المرض والفقر لأصحابها، والإضرار بالمجتمع ككل.
إن ما تُنفقه الدولة من مليارات سنويًا في علاج ضحايا التدخين، أكثر بلا شك مما تضخُه شركات التبغ من أموال، ومن ثم فإنها تجارة خاسرة تتطلب أن تُعيد الدولة النظر في نشاط تلك الشركات.
إن قرار هيئة السكة الحديد بمنع التدخين هو خطوة على الطريق الصحيح، يجب أن تُعمم في جميع وسائل المواصلات، والأماكن المغلقة، والميادين العامة والمتنزهات، حفاظًا على الصحة والممتلكات.
وليس العبرة بسن القانون وفقط، بل العبرة بآليات تنفيذه والحرص على تطبيقه، فكم من قانون صدر ولكنه للأسف (مجرد حبر على ورق)، إذ ظل حبيس الأدراج، لم يجد من يفرضه على أرض الواقع، وهذا ما جاء في الأثر: «من لم يزعُه القرآن يزعُه السلطان».
والمعنى أنه من لم يكفه التوجيه والإرشاد حال ارتكابه خطأ ما، فلا بد أن يُضرب بيد من حديد ليرتدع، ويكون عبرة لغيره.
فحسنًا فعلت سكك حديد مصر، والأحسن أن تراقب تفعيل ذلك القانون، وتحاسب المقصر في تطبيقه، حتى لا يضرب به المدخنون عرض الحائط لغياب من يحميه، ويا حبذا لو فعلت مثلها باقى المصالح والمؤسسات لنقتل تلك العادة في مهدها؛ لتصير مصرُ بلا تلوث.